كان الاعتقاد أن الاستعمار الغربي والولايات المتحدة الأمريكية والصهيونية هم أعداء الأمة العربية والشعب العربي، إذ اتفق هؤلاء وعملوا على تقسيم الوطن العربي وتفتيته إلى دويلات وقبائل بغرض تذويب هويته العربية القومية من جهة، والهيمنة على ثرواته النفطية من جهة أخرى. إلا أن أمتنا العربية لم تبتل بمثل هذا العداء المتحد فقط، بل انضمت إلى هذا الاتحاد إيران، التي تعتبر من الدول الإسلامية والمجاورة جغرافياً للوطن العربي، هذه الدولة التي تبنت الشعارات العربية المتعلقة «بفلسطين« والدعوة إلى تحريرها من براثن الصهيونية، فهذه الدولة لها ارتباط مع العرب وهو «الدين الإسلامي«، إلا أنها فضلت الاصطفاف في خندق الخصوم على ترجمة هذا الشعار، خاصة
بعد أن نجحت في تهيئة أرضية لها في الأرض العربية تعمل باسم العرب ولكن بأجندة إيرانية بحتة أهدافاً ومبادئ وتنفيذا. فدولة إيران الإسلامية التي – اليوم – تتباكى على غزة وما يحدث فيها من مآس «تُحمل الأنظمة العربية مسئولية هذه الأحداث«، وإن كان ذلك صحيحاً.. فأليست إيران هي المسئولة عما يجري من أحداث طائفية في المنطقة العربية وبخاصة الخليجية منها؟ أليست هي من أسس الأحزاب الطائفية في المنطقة العربية وتقسيم الشعب العربي على أساس طائفي؟ وأليست هي من عادى العرب منذُ الفتح الإسلامي المبين لإيران ودخولها في الدولة الإسلامية الكبرى؟ ألم تحاول احتلال العراق ودخلت معه في حربٍ ضروس لمدة ثمانية أعوام؟ ألم تحتل إقليم الأحواز العربي منذُ عام 1925م وليومنا هذا؟ ألم ترفض دولة إيران التخلي عن احتلالها الجزر العربية الثلاث منذ عام 1971م والذهاب إلى محكمة العدل الدولية مع دولة الإمارات العربية للتقاضي بشأن الجزر؟ ألم تساند القوات العسكرية الأمريكية في غزوها العراق وباعتراف صريح من رئيس دولة إيران آنذاك؟ ألم تتشكل حكومة الاحتلال في العراق ومؤسساتها من الأشخاص والأحزاب التي تأسست وتدربت في إيران؟ ألم تسن دستور احتلال العراق وأطلقت حملات التطهير الطائفي الإجرامية المنظمة في العراق؟ ألم تحاول إقامة فيدرالية «شيعية« في جنوب العراق لتبتلع الجنوب كما ابتلعت غيره من الأراضي العربية؟ ألم تطالب دولة إيران بالبحرين أو سياسيون فيها منذُ زمن الشاه ولحد الآن؟ إذاً، كيف تتفق هذه الأدوار الإيرانية تجاه الشعب العربي في الأحواز والإمارات والعراق والبحرين وبكائها على أحداث غزة؟ إن تأييد الدول الإسلامية والصديقة قضايانا العربية لهو أمرٌ جيد وصائب، لكن يجب ألا يأخذ هذا التأييد منحى آخر، وهو تحقيق أهداف منفعية أو مصالح ذاتية للطرف المؤيد، يجب أن يكون التأييد هذا مبنيا على مبادئ وأهداف إنسانية وعادلة. لكن إذا اقتنعنا بما قامت به دولة إيران بحق الأمة العربية وشعبها.. عرفنا أين تقف إيران اليوم، وفي أي خندق هي تتعامل، ويضعها هذا الموقف مع العدو الصهيوني الذي يحتل فلسطين والتي تريد دولة إيران أن ترمي «العدو« في البحر! كما صرح ذلك رئيس دولة إيران كثيراً.
لقد اختارت دولة إيران شعارات ثورية كثيرة منذُ أن بدأ نظامها الإسلامي، وحاولت مراراً تصدير هذه الشعارات إلى الأقطار العربية وبخاصة الخليجية منها، من أجل جر مواطني هذه الأقطار إلى مواقف تتناقض مع مصالح أقطارهم الوطنية القومية، ولزعزعة الأمن والاستقرار السياسي والاجتماعي فيها. وهذا ما جعل للغرب والعدو الصهيوني من التعامل مع دولة إيران «أهدافا« لأنها تملك مثل هذه الآليات لتفتيت الأمة العربية وتذويب هويتها القومية، وزرع الفتن الطائفية بين أبنائها. لذا، فإن تباكي دولة إيران على ما حدث ويحدث في قطاع غزة هو من أجل تحقيق المزيد من هذين التفتيت والتشرذم بين الأقطار العربية أولاً وبين الشعب العربي ثانياً، ولتجميل ما بدا ويبدو منها في العراق ثالثاً. وكيف يمكننا فهم أن هناك علاقة عدائية بين واشنطن وطهران إذا أدركنا أن هناك اتفاقيات بين العاصمتين (سمع عنها وقرأها القاصي والداني) حول مستقبل «العراق السياسي والأمني«؟ وكيف نفهم أن دور دولة إيران هو مقاومة الوجود الأمريكي في المنطقة وهي التي ساندته في احتلال العراق؟ وتقيم معه شراكة استراتيجية في إدارة شئون العراق السياسية والأمنية والاقتصادية والعسكرية؟ والإجابة عن ذلك هي.. إن هناك أطماعا لدولة إيران لا تتحقق إلا برفع مثل هذه الشعارات البراقة، ومن بينها شعار «تحرير فلسطين« بينما هي تحتل جزر الإمارات وإقليم الأحواز، ويتم تسيير أمور العراق بإرادتها وبتوجيهاتها! وإذا كانت دولة إيران اليوم تدعم «حركة حماس« في فلسطين المحتلة أو «حزب الله« في لبنان.. فذلك ليس حُباً وكرامة للشعب العربي في فلسطين ولبنان ولا لقضاياهما الوطنية القومية.. بل ان دولة إيران تعمل ذلك من أجل استخدام هذا الدعم كورقة ضغط أو مقايضة مع مفاوضاتها مع واشنطن في كل ما يتعلق بمصالحها السياسية والعسكرية والأمنية والعلمية في المنطقة، وان دولة إيران على استعداد تام في أن تدعم أي حركة أو منظمة تهدد المصالح الأمريكية والصهيونية إذا تعارضت مصالحها مع مصالح واشنطن والعدو الصهيوني، لكنها في الوقت نفسه تتعامل معهما في سبيل الحصول على المكاسب كما هو حاصل الآن في سكوت واشنطن على احتلال دولة إيران للجزر العربية ولإقليم الأحواز، وفي دعم واشنطن الميليشيات في العراق التي شكلتها ودربتها دولة إيران.. إذاً، بكاء دولة إيران على أحداث غزة لا يتفق مع الموقف الحقيقي الإيراني للقضايا العربية، بل إن ما جعل إيران تتخذ مثل هذه المواقف هو ضعف النظام العربي الرسمي، وتداعي الأمن القومي العربي بعد توقيع التحالفات العربية القطرية مع الولايات المتحدة والدول الغربية، وتهافت عدد من الأنظمة العربية للتطبيع مع العدو الصهيوني، وما تعانيه الجماهير العربية في أقطارها، وغيرها من الأسباب التي دعت إلى بروز الدور الإيراني في المنطقة العربية.. ولكن بما يتناسب مع أفكار ونظريات دولة إيران المذهبية
.
أخبار الخليج : العدد 11283 – الخميس 2فبراير 2009م