جميل المحاري
ما يحدث الآن في سورية وبغض النظر عن الموقف من كلا الجانبين، لا يمكن إلا أن يثير الحزن والغثيان مما يرتكب من فظائع، ومن كلا الطرفين المتحاربين بحق كل منهما للآخر.
وما يتم تداوله من مقاطع مصوّرة حول ما يقوم به أفراد من هذا الجانب أو ذاك، وما يمارسونه من وحشية تعدّت كل الأعراف والقيم الدينية والإنسانية، لا يمكن إلا إنكارها والتبرؤ ممن قام بها حتى لو كنا متعاطفين مع قضيته أو نقف معه في صف واحد.
ما يحدث الآن من تنكيل وقتل وحشي للأسرى وبأبشع الصور، لا يمكن قبوله، تحت أي مبرر، كما لا يمكن فهم كيف يمكن لأي إنسان أن يصل إلى هذه الدرجة من انعدام الضمير والإنسانية.
إن جميع الأديان السماوية والقوانين الوضعية قد نهت عن تعذيب الأسرى بهدف الحصول منهم على معلومات معينة، فما بالك بتعذيب الأسير لمجرد الانتقام أو لمجرد قتله بأبشع صورة وبأقسى الآلام.
عندما قام عبدالرحمن ابن ملجم بضرب الإمام علي ابن أبي طالب (ع) في محرابه وتم القبض عليه، أوصى الإمام علي بأن يعامل ابن ملجم كأسير، وأن لا يُعذّب أو يُمثّل به، وقال يوصي عائلته: «يا بني عبدالمطلب، لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضاً، تقولون قُتل أمير المؤمنين، قتل أمير المؤمنين. ألا لا تقتلن بي إلا قاتلي… انظروا إذا أنا متّ من ضربته هذه فاضربوه ضربةً بضربة، ولا يُمثّل بالرجل، فإني سمعت رسول الله (ص) يقول: إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور».
على الرغم من أنني لا أحب مشاهدة مثل هذه اللقطات، إلا أن ما اطلعت عليه وهو قليلٌ جداً، يمكن أن يغيّر الكثير من القناعات التي كانت لدي حول ما يمكن أن يقوم به أي إنسان إن انعدم ضميره، وأصبح الهاجس الطائفي لديه أقوى من جميع العواطف والأخلاق والمبادئ والفطرة الإنسانية.
التقرير الذي صدر من محققين في الأمم المتحدة حول ما يرتكب من مجازر وحشية في سورية قال «إن المعارضين يرتكبون جرائم حرب منها عمليات إعدام في سورية وإن كانت على نطاق أصغر مما يرتكبه الجيش وقوات الأمن». ما يعني أن الجميع في سورية يرتكب من الفظائع الشيء الكثير.
الأدهى من ذلك أن يقوم كل طرفٍ بتصوير ما يقوم به من عمليات قتل شنيعة، ليوغر صدر الطرف الآخر في دوّامةٍ من العنف والقتل غير المبرر، ليبقى كل ذلك شاهداً على الهمجية التي تأنف منها حتى الوحوش.