لو قيل لنا ان الرئيس الأمريكي بوش، بعد ان يترك البيت الابيض غير مأسوف عليه، سوف ينشئ معهدا لتعليم فنون تعذيب البشر في السجون والمعتقلات، لما استغربنا ذلك. فالرجل خبراته هنا لا تضاهيها خبرات أي رئيس امريكي او غير امريكي في التاريخ المعاصر. من ابوغريب الى جوانتنامو الى افغانستان الى السجون السرية، لم يحدث ان تعرض معتقلون لاساليب تعذيب وحشية، كما حدث في عهد بوش. ولو قيل لنا ان بوش يعتزم انشاء معهد لتعليم فنون الكراهية والعنصرية، لكان الامر منطقيا لا يثير غرابة. فالرجل اشاع مناخا من الكراهية والعنصرية في العالم كله بشكل لم يسبقه اليه احد. يكفي الحرب العنصرية الضارية على الاسلام وعلى كل المسلمين في العالم، واتهام الاسلام بالفاشية والنازية والارهاب، وما ترتب على ذلك من مشاعر ومواقف كراهية عنصرية للاسلام والمسلمين في داخل امريكا وفي الغرب كله. أما ان يقال لنا ان بوش يعتزم بعد ترك البيت الابيض انشاء معهد للحرية، فهذا هو ما لا يمكن ان يصدقه عقل أي انسان في العالم. هذا هو ما اعلنته زوجته السيدة لورا بوش منذ ايام، اذ قالت انه سوف ينشئ معهدا للحرية تكون مهمته تشجيع الديمقراطية. مجرد ان يفكر بوش في انشاء معهد مثل هذا هو في حد ذاته اكبر اهانة للحرية والديمقراطية. منذ الحرب العالمية الثانية، لم يحدث ان ارتكب رئيس امريكي جرائم بحق الحرية والديمقراطية مثلما ارتكب بوش. اذا كان احترام حقوق الانسان هو ابسط مبادئ الحرية والديمقراطية، فقد سلب بوش ملايين البشر ابسط حقوقهم، بما في ذلك حقهم في الحياة. قتل اكثر من مليون ونصف المليون في العراق، وشرد اكثر من خمسة ملايين عراقي، غير مئات الالاف الذين قتلوا في افغانستان. دمر بلدا بأسره واغرقه في ابشع صور الطائفية. فعل بوش هذا وغيره تحت مزاعم الحرية والديمقراطية. كل مواثيق الامم المتحدة التي صاغتها شعوب العالم لضمان الحرية للدول والشعوب ولضمان احترام كرامتها وانسانيتها داسها بوش بالاقدام. بل في داخل امريكا نفسها، اشاع بوش مناخا من المكارثية، ولوحق الاف من المواطنين الامريكيين وصودرت حرياتهم، وخصوصا من المسلمين، تحت زعم ضرورات مكافحة الارهاب. ولم يتردد عشرات من الكتاب الامريكيين في اعتبار عهد بوش عهد فاشية جديدة في امريكا. ولهذا، كان قرار الناخب الامريكي بانتخاب اوباما كما قيل كثيرا هو في جانب اساسي منه تجسيد للرغبة الشعبية العامة في انهاء حقبة بوش السوداء ومحو عارها عن امريكا. حقيقة الامر انه، سياسيا وقانونيا، يعتبر بوش اكبر مجرم حرب عرفه العالم منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية. وكل جرائم الحرب التي ارتكبها هي في جوهرها جرائم ضد الحرية والديمقراطية. ولهذا، هي صفاقة لا حدود لها ان يفكر بعد كل هذا في ان ينشئ معهدا للحرية والديمقراطية. ومع كل هذا، فهو حر بالطبع في ان يفعل ما يشاء. لكن نقول هذا لسبب آخر. نخشى ان نفاجأ بعد فترة بأن بعض العرب قدموا تبرعات مالية لمعهد بوش، او قاموا بدعوته لالقاء محاضرات في عواصمنا العربية عن الحرية والديمقراطية. لو حدث هذا، فلسوف تكون هذه بحد ذاتها جريمة بحقنا جميعا وبحق ارضنا التي استبيحت وشهداءنا الذين سقطوا على يد مجرم الحرب هذا.