قاسم حسين
إن من المهين جداً لأيّ شعبٍ من شعوب المعمورة، أن يختزل أحدهم طموحه في الحياة في زيادة رواتب الموظفين والمتقاعدين.
وإن من المعيب جداً أن يطرح أحدٌ مثل هذه الخزعبلات، في زمن الربيع العربي، بعدما أعادت الشعوب العربية رسم خارطة حياتها الجديدة، وفق مبادئ الحرية والكرامة واحترام حقوق الإنسان.
وتزداد الإهانة حين يصدر بذلك بيانٌ مذيّلٌ باسم ائتلاف عشر جمعيات سياسية/دينية، تدعي أنها تمثّل كل أطياف ومكونات الشعب البحريني، بما فيه من سنة وشيعة ومسيح ويهود وبهرة وسيخ وبوذيين وراستافاريين وكونفوشيوسيين وليبراليين.
وإذا كان شهر فبراير/ شباط 2013 سيذكر بشيء لافت، فإنه سيُذكر بكثرة التصريحات والمواقف المعيبة التي صدرت من بعض التجمعات المحسوبة على السلطة، فمن تصريح رئيس التجمع بأنه مع الديمقراطية إلا أنه يرفض مبدأ الحكومة المنتخبة، إلى ادعاء تمثيله الشعب بينما يرفض رفضاً قاطعاً مبدأ الاستفتاء لمعرفة رأي الشعب، انتهاءً باختزال الحراك السياسي في مطلب واحد ملحّ… وهو زيادة رواتب الموظفين والمتقاعدين. كلها سلسلة من المواقف والتصريحات المتناقضة، التي لا تنسجم مع روح العصر الجديد وتطلعات الشعوب، وتسير في الاتجاه الخاطئ من التاريخ.
ومن المفارقات أن التجمع الذي يرفض العودة إلى الشعب لمعرفة رأيه في قضاياه المصيرية ورسم مستقبل أجياله، ينصّب نفسه ناطقاً باسم شعب البحرين، في الوقت الذي عجز عن جمع أكثر من خمسة آلاف مواطن في باحة جمعية سياسية، أمام أحد دور العبادة، رغم التحشيد الإعلامي الرسمي والديني الكبير، بما فيه الاستعانة بتقنية «الفيديو كليب» وما فيها من مؤثرات صوتية وإيماءات وجهية وحركات يدوية قاطعة للتخويف والتأثير على المشاهدين.
ومن المفارقات أن تجمعاً بات مفكّكاً بفعل عوامل التعرية الداخلية والخارجية والأخلاقية، ولا يمتلك نائباً ولا نائبةً واحدةً في البرلمان حتى في تشكيلته الراهنة، يتكلّم باسم جميع مكوّنات شعب البحرين، ويختزل مطالب الأغلبية المعلنة في ديمقراطية حقيقية وبرلمان يمثل سلطة الشعب وقضاء مستقل، ويختصرها في زيادة رواتب الموظفين والمتقاعدين!
إن هذا التجمّع وضع نفسه في موقع التهم والارتياب، من مناوأة الأغلبية ومعارضة الطموح المشروع لدى أيّ شعبٍ حيّ، من توزيع عادل للثروة ومشاركة في صنع القرار ومحاسبة المتعدّين على المال العام والتزام الشفافية وتكافؤ الفرص وفق مبدأ المواطنة المتساوية. وهي مواقف تُصنّف سياسياً ضمن المواقف الرجعية، وتضع التجمع وقياداته في اتجاه معاكس لحركة التاريخ العربي، بعيداً عن روح العصر، حيث تتطلع شعوب المنطقة العربية إلى أفق أكثر عدلاً وتسامحاً وكرامةًً وتوزيعاً عادلاً للثروات.
إن مثل هذه المواقف والتصريحات، وآخرها افتخار أحد قيادييه بأنه «روموت كونترول» بيد الحكومة تحرّكه كيفما تشاء ووقتما تشاء، إهانةٌ بحق شعب البحرين الذي ناضل منذ العشرينات من أجل تمثيل حقيقي وقضاء عادل وعدالة اجتماعية. وهو إهانةٌ بحق آلاف المواطنين الذين اجتمعوا في ساحة تلك الجمعية الإسلامية فصوّرتموهم في هيئة المتسوّلين لحقوقهم الطبيعية. وهو إهانةٌ بحق من يدلون بتلك التصريحات المعيبة وهم لا يشعرون.