أ.عبدالعزيز أمين عرار
مشرف التاريخ في مديرية قلقيلية
فجعت جماهير البعث العربي والقوميين العرب والثوريين في كل مكان برحيل فيلسوف البعث ومفكره الدكتور إلياس فرح عضو القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي والذي جسد بعطائه روح التجربة البعثية في القطر العراقي وما لها من تأثير في عموم الوطن العربي، وكان دوماً متقدما في إعداد الكادر الحزبي المتقدم في البعث في قطر العراق ومحاورا ومناقشا يكتب ويحاور ويضيف المعاني التقدمية للفكرة ويشرحها في مؤلفاته وفي لقاءاته واجتماعاته والمؤتمرات التي يشارك فيها.
وقد أغنى المكتبة العربية بمؤلفاته ومقالاته العميقة في الطرح والتحليل، وقد تناول فيها محاور مهمة يطرحها البعث العربي وهذه أبرز مؤلفاته:
ـ تطور الفكر الماركسي (عرض ونقد)
ـ مقدمة في دراسة المجتمع العربي
ـ شرح كتاب في سبيل البعث للأستاذ ميشيل عفلق
ـ حول الثورة العربية
ـ تطور الآيديولوجيا العربية الثورية (جزآن).
ـ حول القضية الفلسطينية
ـ قضايا الانسان العربي الجديد
ناهيك عن مجموعة مقالات نشرها في مجلات عربية ومنها آفاق عربية، واليقظة العربية، وغيرها.
تميزت كتاباته بقدرته على التسلسل والتحليل والاستنتاج والتفسير والتنبؤ في طرح الفكرة القومية البعثية، ومع أنه لم يكن الأول في تفسيره وتحليله لمبادئ البعث في الوحدة والحرية والاشتراكية وشعاره الخالد أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة، حيث كتب منيف الرزاز عدة كتب ومجلدات، وكذلك الأستاذ شبلي العيسمي، وللاستاذ ميشيل عفلق كتاب الأعمال الكاملة في عدة مجلدات وللشهيد صدام حسين أقوال وخطابات حول الأسرة والمجتمع والتاريخ والدين وغيرهم إلا أن ما ميز كتابات الدكتور فرح أنها كانت أقرب في ترجمة وتحليل تجربة البعث في العراق ما بين عامي 1968ـ 2003، كما أنها كانت تجيب عن أسئلة كثيرة جاءت نتاجا لعملية التطبيق في القطر العراقي في مختلف مجالات الحياة، وقد تجلت في كتاباته عملية ربط عميقة بين الآيديولوجيا القومية والمنظور الحضاري للبعث، وكان كتابه مقدمة في دراسة المجتمع العربي والتي أظهرت أيضاً أهمية المنظور الحضاري في دراسة المجتمع العربي وعلاقته بالوطن العربي، وفي هذا الكتاب بيَن المرحوم الياس فرح خطر الدراسات (التجزيئية) المنطلقة من نظرة قطرية وفسيفسائية طائفية، ودور المستشرقين والمفكرين الغربيين في إفراطهم في المنهج التحليلي مسقطين منظورهم الحضاري الغربي على الوطن العربي، رغم أن بعضهم أبدى تعاطفا مع الحضارة العربية، وشرح خطر دراسات المستغربين سواء أكانوا ليبراليين أو ماركسيين، بسبب أن تطور المجتمع الغربي لا يماثل تطور المجتمع العربي، ولأنه لا يصح تعميم التناقضات والصيغ والمقاييس الغربية على تجربة المجتمع العربي.
وفي الوقت الذي انتقد فيه الماركسية والليبرالية فقد انتقد النظرة السلفية التي تتجاهل خصوصيات التطور في المجتمع العربي، وهي تنظر بنظرة مقلوبة للزمان والمكان وعن التطورات للمجتمعات البشرية، ويأتي على الدراسات الأكاديمية التي نظرت للمجتمع العربي من خلال أرقام إحصائية وكمية وكانت بمعزل عن إطارها السياسي والنضالي، وعن سياقها القومي والحضاري.
مفهوم البعث الحضاري عند إلياس فرح:
ركز فرح على النظرية الثورية للبعث باعتبارها ليست نظرة فلسفية كونية، وليست دينا بل هي نظرية ثورية للبعث ذات منظور حضاري للأمة العربية والذي يرفض الرؤية لقضايا ومعالجتها من خلال الأفكار (التجريدية ) أي السطحية و(الاطلاقية) في الأحكام أي (التعميم)، ويذهب نحو منهج (علمي جدلي تاريخي)، يتجاوز الأحكام السابقة مدركا أن لكل أمة من الأمم منظورها الحضاري الذي يتجلى من خلال القيم والممارسات والخصال والثقافة المحددة للهوية الحضارية، بيد أن هذا لا ينفي المساهمة في تقرير مصير التقدم العالمي وفي صيانة المعاني الكبرى للوجود الإنساني.
وقد اشترط هذا المفكر ثلاثة أبعاد لتحقيق هذا الهدف، وهي:
أ- الصلة الحية بالماضي ونظرتنا للتاريخ العربي الإنساني.
ب- المعاناة الحية للحاضر بمعنى أن وحدة المجتمع العربي وتحرير فلسطين وتطبيق العدالة الاجتماعي لا تتحقق بغير النضال والجهاد والمكابدة.
ج- التفاعل الحي مع روح العصر المنطلقة من نظرة مستقبلية.
وقد ركز فرح على أن التاريخ العربي شهد حالات صعود وهبوط وانكسار وأن اغتيال الحضارة من قبل المغول عام 1260م لا يعني تخلفنا الحضاري وأن الأجيال الحاضرة من أحزاب وتنظيمات وحركات متفاعلة مع هموم وقضايا الأمة لا بد وأن تصل إلى قيام مجتمع عربي حضاري إنساني تتحقق فيه دور للأمة العربية من خلال رسالتها العالمية، وقد استشهد فرح عدة مرات في كتاباته القائلة: "انني لأفتح شبابيك بيتي على جميع رياح العالم بشرط أن لا تقتلع تلك الرياح أساسات بيتي".
رحم الله هذا المفكر العربي القومي الحر. الذي مات بعيدا عن بغداد. بعد أن احتلها مغول العصر وقلبوا عاليها سافلها ونشروا الطائفية والمذهبية والعرقية وأحيوا جيف القبور الميتة ولكن حالة النصر ستأتي يا رفيقنا وبإذن الله سيكنسر الصهيوـ صفويون عن أرض العراق.