هاني الفردان
بُثَّ على موقع التواصل الاجتماعي «اليوتيوب» مقطع مصوّر لتحقيق مع مواطن معتقل وهو شبه عارٍ، أو عارٍ بالكامل، إلا أن الصورة توضح الجزء العلوي من جسمه فقط، والتصوير بكاميرا متحركة.
قبل أن نحكم، وقبل أن نسترسل في القضية انتظرنا بيان وزارة الداخلية لتأكيد الفيديو أولاً، ولمعرفة إجراءاتها ثانياً، إذ إن القضية ليست جديدة، وتكررت بصور مختلفة، مع تكرار التبريرات أو رمي القضية في خانة «استفزاز رجال الأمن» كما عوّدتنا الردود من قبل.
المقطع المصوّر، غير إنساني، وليس بحضاري، ومخالف لكل الأعراف والقيم الدينية والإنسانية. وكما تحدثنا من قبلُ، لا يصوّره إنسان عادي، بل هو محسوب على الأجهزة الأمنية، وهو خارجٌ من تحت مظلتها، والمتهم بين أيديهم.
إلى وزير الداخلية الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة، تحدثت في مقال سابق عن «صور اعتقال رضا الغسرة» ومدى قانونيتها وانسجامها مع مدونة سلوك الشرطة، ولم نحصل على ردٍّ أو حتى تعليق مباشر أو غير مباشر. وها نحن اليوم نشهد المنظر نفسه مع صور ومقطع مصور (فيديو) لاعترافات مواطن وهو عارٍ، فهل يرضيك ذلك؟
هل يعكس ذلك المقطع المصور مدى التطور الذي وصلت إليه الأجهزة الأمنية في البحرين، والتزامها بضوابط وأخلاقيات المهنة وشرفها؟ أم يعكس لنا حقيقة تركيب الكاميرات الحديثة في مختلف مراكز الشرطة، التي من شأنها أن تحمي حقوق المعتقل، لا أن تهينه كما شهدنا مؤخراً.
معالي الوزير، كتبت من قبل عدة مقالات عن مخالفات رجال الأمن لمدونة سلوك الشرطة، والتي صدرت عنكم قبل عام وثلاثة أشهر تقريباً، فهل يعكس ذلك المقطع، ما أحدثته المدوّنة الجديدة من تغيير فعلي لدى رجال الأمن؟
يوم السبت الموافق (22 ديسمبر/ كانون الأول 2012) وجهت خطاباً واضحاً وصريحاً إلى معاليكم بشأن مدونة سلوك الشرطة، وما كان قبلها وما شهدناه بعدها، علَّنا نفهم حقيقة التغير في سلوك رجال الأمن. والواقع يقول إن ما شهدناه تطور خطير في أساليب نشر الأدلة والصور والمقاطع المصورة للمعتقلين، واعترافاتهم بل وهم عراة أيضاً، بل هو تحدٍّ علني لتلك المدونة من قبل رجال أمن.
اعذرني معالي الوزير، فالصفعة تتلوها صفعة، ومن صفعة المواطن في عالي وقبلها، وقضايا الاعتداءات من قبل الشرطة على المواطنين لم تتوقف، وكذلك الحديث عن لجان تحقيق ومحاكمات شبع منه الناس وملّوا، وما باتوا يصدقونه، مع تكرار مشاهد الاعتداءات والصور، حتى وإن حاول البعض تحجيمها والتقليل من شأنها أو وضعها ضمن مفهوم «الحرب الشعواء» على الجهاز الأمني.
معالي الوزير، لتشاهد ذلك المقطع المصور، ولتنظر في عين المعتقل والخوف الذي يعيشه، ولا تغلق المقطع سريعاً، بل انتظر قبل الانتهاء بثانيتين فقط، لتكتشف آثار التعذيب على كتف المعتقل، ولتحكم عليه، وعلى إنسانية من حقق معه ومن صوَّره وبثه، قبل قانونية العمل برمته.
ليشاهد مسئولو وزارة الداخلية المقطع المصوّر الجديد، وكيف يحطّ من كرامة الإنسان المعتقل في سجون البحرين، وهو بالتأكيد لم «يستفز رجال الأمن» كما يقال من قبل في مقاطع أخرى، فعلامات الخوف واضحة، واعترافاته مرتبكة تدل على ما يعيشه.
سيقولون موقف فرديّ، شخصيّ، أحاديّ، أو أي شيء آخر، لكن عندما تكثر هذه التصرفات الفردية؛ فإنها تتحول إلى سلوك جماعي منهجي، لا يمكن نكرانه، ولا يمكن شخصنته، ولا يمكن التبرير له، أو التهرب من مسئوليته. وهو ما يؤدي بنا في نهاية المطاف إلى التأكيد على أن استمرار سياسة الإفلات من العقاب، وراء ما نشهده من المس المتعمد والمتكرر من قبل رجال الأمن بحقوق الإنسان وكرامته التي كفلها الدستور والقانون والأعراف الدولية، وقبل كل ذلك ديننا الإسلامي الحنيف، وكما يقال من أمن العقاب أساء الأدب.
تلك الأحداث المتكررة والمقاطع المسرّبة تفرض ضرورة وجود تغييرات جوهرية في سلم القيادات الأمنية التي باتت عاجزةً عن ضبط تصرفات من هم تحت إمرتها، وغير قادرة على خلق جيل جديد من رجال الشرطة قادرين على التأقلم مع المجتمع، وخلق حالة جديدة من الانسجام وبناء جسور الثقة، بل غرقت في تبريرها وتحجيمها.
معالي الوزير: كنا ننتظر خطوات فعلية تحول مدونة السلوك من «التنظير إلى التطبيق» كما قلتم، إلا أن الواقع جاءنا مخيباً وسريعاً من الميدان بمشاهد جديدة، وفضائح يندى لها الجبين. فلاتزال قوات الشرطة غير قادرة على أن تلتزم بما نصّت عليه مدوّنة السلوك، التي نصّت على أن «قوات الشرطة هي الضامن لحماية الحقوق والحريات العامة والكرامة الإنسانية للمواطن والمقيم على أرض مملكة البحرين».
فعن أية كرامة وإنسانية للمواطن قبل المقيم تتحدث مدونة سلوك الشرطة بعد «فيديو الصفعة» و«حادثة العكر»، وأخيراً «الاعتراف العاري للمواطن».