عندما عقدت القمة العربية في الكويت، سمعنا كلاما كثيرا عن المصالحة العربية، وعن أن صفحة جديدة قد فتحت في العلاقات بين الدول العربية بتجاوز الخلافات. وقيل وقتها إن العدوان الهمجي الاسرائيلي على غزة والتضحيات الجسيمة التي قدمها الشعب الفلسطيني، أصبحت تحتم هذه المصالحة. ولقد تفاءل الكثيرون وتصوروا أننا بالفعل على أعتاب مرحلة جديدة من العلاقات بين الحكومات العربية.
لكن للأسف، سرعان ما اتضح انه لا مصالحة تمت، ولا صفحة جديدة فتحت. ليس هذا فحسب، بل ان الانقسام العربي يتكرس وتتسع شقته.
والسبب، كما سبق وقلنا آنئذ، ان المصالحة العربية لا تتحقق فقط بالنوايا الطيبة، وانما على أسس من الاتفاق والتفاهم على موقف مشترك من القضايا العربية الكبرى.
وهذا بالضبط هو ما لم يتحقق، بل لم يبذل أي جهد أصلا في سبيل تحقيقه.
وصورة الوضع العربي كما تبدو اليوم، انه لا أمل في مصالحة في الأفق المنظور، وان العجز العربي عن الاتفاق ولو على حد معقول من الرؤى والمواقف الموحدة كما لو أصبح قدرا لا فكاك منه.
المصيبة ان عجز الحكومات العربية على هذا النحو يقودنا الى كوارث تهدد المصالح العربية في كل قضايانا الكبرى.
ويكفي ان نتأمل تبعات هذا العجز على أكبر قضيتين اليوم، القضية الفلسطينية، وقضية الوضع في الخليج العربي.
فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، أجمع الكل في العالم العربي، وفي العالم كله في الحقيقة، اثناء وبعد العدوان الهمجي على غزة، على ان انهاء الانقسام على الساحة الفلسطينية أصبح مسألة لا تحتمل أي تسويف. اجمع الكل على ان استمرار مهزلة الانقسام الفلسطيني لن يقود الا الى الاسهام في ضياع القضية، واطلاق يد العدو الصهيوني.
وعلى الرغم من هذا، فإن الذي يحدث على نحو ما نتابع من مواقف على الساحة الفلسطينية، ان الانقسام الفلسطيني يتسع اكثر ويتكرس، بل ويأخذ ابعادا جديدة تشير الى انه مستمر الى ما لا نهاية.
وبالطبع، اذا كانت الاطراف الفلسطينية تتحمل المسئولية الاساسية في استمرار هذا الوضع، فإن المسئولية العربية اساسية ايضا، بعجز الحكومات العربية عن التوصل الى صيغة مقبولة لانهاء هذا الانقسام، وفرضها على الاطراف الفلسطينية.
أما فيما يتعلق بالوضع في الخليج العربي، فكما نعلم، تؤكد التقارير في الايام الماضية، ان ادارة اوباما فتحت بالفعل حوارا سريا مع ايران. والحوار، كما هو متوقع وكما اعلن بالفعل مشاركون فيه، لم يقتصر على العلاقات الثنائية بين امريكا وايران، ولا قضية الأزمة النووية وحسب، وانما يناقش قضايا الأمن في المنطقة برمتها وقضية الصراع العربي الاسرائيلي. أي يناقش صلب القضايا في الخليج العربي والقضايا العربية.
وكما سبق وكتبنا مرارا وتكرارا، فانه في ظل غياب موقف عربي موحد، وفي ظل عدم مشاركة العرب في أي حوار امريكي ايراني، فإن هذا الحوار يمكن ان ينتهي الى نتائج على حساب المصالح العربية.
والأمر باختصار من جميع الأوجه، ان فوضى المواقف العربية الحالية، وعجز الحكومات العربية عن تحقيق حد ادنى من التوافق واستمرار هذا التشرذم والانقسام، يهدد بالحاق افدح الاضرار بكل المصالح العربية الآن ومستقبلا. هو في الحقيقة يهدد بخروج الحكومات العربية برمتها من المعادلة الاقليمية وافساح المجال امام مشاريع معروفة لتقاسم النفوذ في المنطقة بين قوى دولية واقليمية على حساب العرب.
وهذا هو ما تقودنا إليه الحكومات العربية.
أخبار الخليج العدد 11274 – الثلاثاء 3 فبراير 2009