جميل المحاري
بأي حال من الأحوال ومهما كانت الرقابة الذاتية أو المفروضة على الكاتب في أية صحيفة يعمل بها، أو حتى رقابة الأجهزة المعنية لا يمكن السكوت على الحملة الشعواء التي تطلقها بعض الأجهزة الإعلامية وبعض الكتاب والتي تتهم نصف الشعب البحريني بالافتقاد إلى الشرف، والعمالة لدولة أجنبية، وخيانة الوطن.
ذلك ما لم تصل إليه حتى أرخص الأقلام في أكثر دول العالم تسلطاً وطغياناً، فلم نشهد قبلاً في أي من مثل هذه الدول نشر هذا الكم من الحقد والكراهية في وسائل إعلامها. وفي جميع أنحاء العالم لا يعتبر شتم وتخوين الآخرين جزءاً من حرية الرأي والتعبير، وإنما يجرم من يقوم بذلك.
وفي مقابل ذلك تستعر هذه الأقلام نفسها وتشتط غضبان حين يتم وصف فصيل سياسي بالموالاة للحكومة، وكأنها إساءة ما بعدها إساءة، وإهانة ما بعدها إهانة.
لقد تحول الخطاب الإعلامي لدينا في هذه الفترة والتي فقدت فيها المصداقية تماماً، إلى ما يشبه سوق النخاسة ليس لبيع العبيد وإنما كل يعرض قلمه للبيع وكلما زاد الشتم والتحريض وبث الكراهية كلما كان السعر أعلى.
ما يحدث الآن من سب علني على صفحات الصحف أثار اشمئزاز وحفيظة العالم، وأحرج الوفد الرسمي المشارك في جنيف أكثر من مرة حتى وصل الأمر، إلى أن يطرح مندوب المجر لدى الأمم المتحدة وعضو مكتب حقوق الإنسان دكني أندراس خلال اجتماعه بوزير شئون حقوق الإنسان صلاح علي أمس الأول موضوع «التهديدات التي يتعرض لها الوفد الأهلي الذي شارك في جلسات مكتب حقوق الإنسان وتعرض الصحف في البحرين لهم بطريقة غير لائقة»، فما كان من الوزير إلا التنصل من مثل هذا الأمر والتأكيد أن «حكومة البحرين لا تقبل بأي انتهاك لحقوق الإنسان وما يتصل بذلك من ضغوط على الناشطين الحقوقيين أو غيرهم، وأن ما ينشر في الصحافة المحلية بشأن النشطاء الحقوقيين لا يمثل الموقف الرسمي وحكومة البحرين لا ترضى بهذا الأمر تماماً ولا تقره وأنه يتعين على المتضررين اللجوء للقضاء لتجريم من يتعرض لهم».
وقبل ذلك أثارت رئيسة مجلس حقوق الإنسان نافي بيلاي هذا الموضوع نفسه، كما أشار إليه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون.
إنكار الحكومة مساندتها لما ينشر من سباب لا يخلي مسئوليتها من محاسبة من يثير النعرات الطائفية في المجتمع وينشر الكره والسباب بشكل يومي، فقد قامت بحبس ناشط حقوقي لمدة ثلاثة أشهر لمجرد تغريدة على حسابه في «تويتر» ويمكنها إيقاف مثل هذا الهرج لو هي أرادت ذلك.