إشهار شركة جنرال موتورز الأمريكية إفلاسها.. |
شبكة البصرة |
هداج جبر |
حتى فترة قليلة، قبيل ظهور الأزمة المالية الكبرى، في الاقتصاد الأمريكي، وتوابعه، من الاقتصاديات الأوربية واليابانية، والتي عصفت بلا رحمة، بكبريات المؤسسات المالية، والمصارف الكبرى والبورصات، وكبدت الميزانية الأمريكية، مليارات الدولارات، بعد أن عجزت الخزانة، والاحتياطي الفدرالي، عن إنعاشها، وبث الحياة فيها، رغم كل ما بذلته، من إمكانات هائلة، بما فيها المضموم من احتياطياتها، عن معالجة تداعيات هذه الأزمة الكارثية، وما أحدثته، من ذعر شديد، وصدمة كبيرة، في الداخل الأمريكي بشكل خاص، وما خلفته من اهتزاز الثقة، باليات النظام الرأسمالي وقوانين السوق، التي كانت إلى ما قبل هذا الحدث الكبير، تعتبر من قبيل المسلمات والحتميات الأبدية، شأنها شأن الأقدار الطبيعية، والقوانين الفيزياوية، التي لا تتسرب لها الشكوك، ولا يعتريها الخلل بتاتا، حتى بات يطلق عليها لدى الاقتصاديين، قوانين السوق. إن هذا الحدث الكارثي، في حياة الاقتصاد الأمريكي، وهو إشهار إفلاس شركة جنرال موتورز الأمريكية، التي تمثل رمز قوة الاقتصاد الأمريكي، بل والنظام الرأسمالي برمته، في عالم اليوم.. يعني أن النظام الرأسمالي، الذي كان الاقتصاديون الغربيون، يتخرصون بأنه قدر حتمي، وتسيره قوة خفية، تعيد له التوازن عندما يظهر فيه أي اختلال، من دون تدخل من احد.. هو نظام يعاني من خلل هيكلي، يكمن في بنية النظام، القائم علي الاحتكار وتعظيم الأرباح. ولعل هذا الحدث، أوضح أن الرفاهية التي تمظهرت في ظله، بالكثير من الجوانب، في الحياة الاجتماعية ذات الاقتصاديات الرأسمالية، لم تكن في جوهرها وليدة كفاءة أداء النظام، بقدر ما كانت، إفرازا لآليات الاحتكار والابتزاز، منذ أن قام النظام الرأسمالي، بالسيطرة على أسواق العالم، على هامش انهيار، وتلاشي النظام الميركنتايلي. بمعنى أن فائض قيمة المواد الأولية والخامات، وابتزاز الشركات الاحتكارية العابرة القارات، لموارد البلدان الفقيرة، وعلى رأسها النفط، حيث لا يزال حتى الآن، ليس بمقدوره، تفريخ عائد، يتناسب مع قيمته الحقيقية، باعتباره ثروة ناضبة، هو الأساس في خلق تلك الرفاهية. فلا تزال الشركات الاحتكارية، تتحكم بسياسات المخزون والعرض، وتفتعل أزمات حادة، تطيح بهيكل الأسعار بين الحين والآخر، وتصدر التضخم إلى البلدان المنتجة، بأشكال مختلفة، تؤدي إلى تآكل عوائدها، وتلحق باقتصادياتهاٍ، أفدح الأضرار. وإذا كانت شركة جنرال موتورز، عملاق صناعة السيارات.. رمزا أسطوريا من رموز الرأسمالية، فأن إشهار إفلاسها، يؤذن بنذر شؤم قادمة، قد تطيح بهيكل النظام الرأسمالي برمته، حيث يترنح الآن، في أتون مشكلات متلاحقة، إذ يعكف قادة الشركات، ورجال الأعمال، والمفكرون، بعد هذا الدوار الذي أصابهم، للبحث عن حل، لهذه الإشكالات، من خلال طرح فكرة البحث عن نظام اقتصادي دولي جديد. وبغض النظر عن خطورة تداعيات إفلاسها، والآثار السلبية، التي ستتركها على الاقتصاد الأمريكي، والقطاعات الدولية التابعة لها، وذلك من خلال تسريح آلاف العاملين في مصانعها، وطرحهم إلى أفواج العاطلين عن العمل، في سوق عمل مرهقة أصلا بالبطالة.. فان العامل الأكثر أهمية، هو المكسب الذي حققته المقاومة العراقية البطلة، التي ألقت بالاحتلال الأمريكي ومؤسساته، في متاهات الأزمات المالية، وإرباك الحال في الداخل الأمريكي، بفعل الخسائر الهائلة، والضربات الموجعة، التي ألحقتها بالمحتل، قدرات وإفرادا ومعنويات، حيث تجسد هذا الانجاز على ساحة المواجهة في داخل العراق، بكل هذا النزيف المالي، الذي قاد إلى كساد مرعب، عجزت حتى الآن، عن إسعافه، كل الوسائل التي اتخذتها الإدارة الأمريكية، ولم تنفع معها، كل وسائل الرفد، من الأدوات الأخرى، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي. |
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.