إشكالية التفويض في الديمقراطيات الغربية
نزار السامرائي
سادت في أوربا في القرون الوسطى، نظرية التفويض الإلهي التي منحت الملوك سلطة مطلقة على الرعية بدعم من الكنيسة، التي كانت تشارك الحكومات امتيازاتها بل تفرض عليها الكثير من التوجهات والخيارات، ومع صعود الوعي السياسي في أوربا، ومع ظهور مدارس الإصلاح الفكري والسياسي، والتي قادها عدد من المصلحين المتنورين، بدأت مساحة الكنيسة تتقلص مع الزمن لصالح الحكومات، دون أن يعني ذلك أن الحكومات تنازلت عن كل سلطاتها لصالح شعوبها، ولكن وبمرور الوقت وجدت الشعوب أن نظريات الحكم السائدة بقدر ما توفر لها من غنائم الفتوحات الاستعمارية ومزايا النمو الصناعي تبعا لتوفر المواد الأولية، وأسواق تصريف السلع الصناعية، إلا أنها كانت تهدر حقوقها السياسية وتصادر حرياتها، بدرجة متقاربة مع ما تتعرض له شعوب البلدان المفتوحة بحركة التوسع الاستعماري، ولذا نشطت حركة الحقوق المدنية وأخذت طابعا منظما في حركات وأحزاب تخص بالدرجة الأولى المواطن، دون أن ينال العبيد الذين تم جلبهم من البلدان الأفريقية، لتشغيلهم في المهن الشاقة والحقيرة التي كان الأوربي أو الأمريكي يأنف من ممارستها أو لا يقدر عليها، كان العبيد يعملون دون أي حقوق إنسانية أو شروط عمل الحد الأدنى المقررة لبني البشر.
كانت المنظمات والجمعيات والأحزاب الناشئة حديثا، تبحث عن ثغرات في جدار النظام السياسي القائم، من أجل إدخال إصلاحات سياسية واجتماعية وتقلص من دور رجال الكنيسة في إدارة شؤون الحكم، فوقعت انتفاضات وثورات في العديد من الدول الأوربية، نجم عنها تغييرات في حقوق الأفراد ولعل ما شهدته بريطانيا وفرنسا، ما يؤكد دور أفكار التنوير التي أخذت تشق طريقها بقوة في مجتمعات الدول الاستعمارية التي توسعت حدودها لما وراء البحار على نحو مذهل، ولكن إيجابيات هذه التطورات في أنماط الحكم، ظلت حكرا على مواطني تلك الدول حصرا دون أن تنعكس بأي مقدار على شعوب المستعمرات. وحتى مع صدور قرار الأمم المتحدة مطلع ستينات القرن الماضي بتصفية الاستعمار، والذي أعقبه حصول دول كثيرة في آسيا وأفريقيا على استقلالها، فإن التفكير الاستعماري لم يتزحزح عن مواقعه في مراكز صنع القرار في الدول الاستعمارية السابقة، وحافظت تلك الدول على نظرتها الفوقية لمستعمراتها، وأوجدت منظمات بديلة عن وزارات المستعمرات السابقة، كمنظمة الكومنولث البريطاني، والفرنكفونية الفرنسية، تحت واجهات التعاون الاقتصادي حينا والثقافي حينا آخر، والحقيقة أنها جميعا أوعية سياسية لربط محكم للدول الاستعمارية مع مستعمراتها القديمة، وإبقائها في فلكها ومنعها من الإفلات والالتحاق بأفلاك أخرى. هذه التفاصيل لم تكن لتؤثر سلبا على حياة المواطن الأوربي بأي قدر من المقادير، فحقوقه السياسية تم ضمانها بقوالب دستورية صارمة، ومكاسبه الاقتصادية تم ضمانها بسياسات بلده الخارجية وخاصة في التعاطي مع البلدان التي كانت مستعمرات سابقة لبلاده، ولم يكن ليكترث لما تعانيه شعوب البلدان الأخرى من قهر وظلم وفقر وتخلف، طالما كانت حقوقه مضمونة دون نقصان، وحيثما تعرضت مصالحه للمساس كان يبادر لنزع الثقة عن الحكومة التي جاء بها عبر صناديق الاقتراع. ولكنّ مسألة التفويض الشعبي الممنوح من الناخب في الديمقراطيات الغربية، للأحزاب الحاكمة فيما بعد الانتخابات، والتي حلت محل نظريات الحكم السابقة، باتت تطرح إشكالية واضحة المعالم، وإن كانت غير محددة الأبعاد على وجه الدقة، في حال تجاوز الحزب أو زعيمه بعد تسلم مقاليد السلطة، لحدود ذلك التفويض إلى قضايا لم يتم طرحها أصلا في البرنامج الانتخابي. من المعروف أن العوامل الاقتصادية تحتل المرتبة الأولى في رسم المسارات الأساسية للمواطن الأوربي، ولهذا فإن الأحزاب المتنافسة حتى إذا تقاربت برامجها أو تباعدت في التفاصيل، تطرح في برامجها الانتخابية وعودا تتصل بالقضايا المعاشية والاقتصادية من قبيل البطالة والتضخم وارتفاع الأسعار، وهي القضايا الأساسية التي تحظى باهتمام المواطن الأمريكي والأوربي، وقلما ترد في تلك البرامج وعود سياسية، سواء على الصعيد الداخلي أو في الملفات الخارجية، وربما أدخلت قضية (الحرب على الإرهاب)، بعض التغييرات على شعارات المتنافسين في الحملات الانتخابية وخاصة في الولايات المتحدة وخاصة في انتخابات التجديد لولاية ثانية للرئيس جورج بوش الابن، غير أن موضوع الحرب والسلام لم يدخل في الحملات الانتخابية للأحزاب المتنافسة، ولكن بالنتيجة كانت الأحزاب تتنصل من الالتزامات التي قطعتها على نفسها في برامجها الانتخابية، بشأن الملفات الداخلية وخاصة ما يتصل بقضايا البطالة والأجور والضرائب والتأمينات الاجتماعية وقضايا التعليم والصحة، أو بقضايا التضخم والأسعار، في حين تذهب لاعتماد سياسات على الصعيد الخارجي، لم ترد أصلا في برامجها الانتخابية، كثير منها يرتب تبعات آنية على بلدانها، ماليا وقانونيا وسياسيا وأخلاقيا، نتيجة أي أخفاق قد تواجهه تلك السياسات، وحتى في حال النجاح فإن المستقبل وتغير المعادلات الدولية، واسترداد الدول لاستقلالها، لابد أن يرتب على الدول (المعتدية) حقوقا لا يسقطها الزمن، ولا يمكن أن تسقط بسقوط زعماء وأحزاب تلك الدول بأي حال، فالدولة تتحمل المسؤولية الجنائية والقانونية عن أفعال ارتكبها زعماؤها في زمن ما، ولكن رحيلهم من عالم السياسة، وحتى عالم الحياة لن يسقط ما رتبه عدوان بلادهم على بلدان أخرى من حقوق، ويمكن تأشير موقف الجزائر في الوقت الراهن ومطالبتها الملحة من فرنسا ساركوزي تقديم اعتذار، لما فعله بلده الجديد قبل 175 سنة، يوم كان أجداد الرئيس الفرنسي الحالي ما يزالون يحتفظون بجنسيتهم الهنغارية، وهذه الواقعة وغيرها من حالات مماثلة من اعتذار دول لدول أخرى بعد وقت طويل مما ارتكبه الأجداد، يمثل أساسا سليما لقواعد راسخة في القانون الدولي. كان غزو العراق عام 2003، والذي استند على أكاذيب لم تصمد طويلا، بداية لتساؤلات كبيرة بدأت تفرض نفسها على مسرح الأحداث في الدول التي خططت له أو شاركت به، سواء في الشارع أو على مستوى النخب المتنورة وفي مراكز الدراسات السياسية والإستراتيجية، خاصة وأن حركة رفض شعبي واسعة النطاق، كانت قد انطلقت في مدن أوربا والولايات المتحدة قبيل بدأ إطلاق النار، منددة بخطط الحرب معتبرة أن دوافعها الحقيقية لم ترد في كل البيانات والخطب والبرامج التي سبقتها، فأي من زعماء تلك الدول لم يطرح في برنامجه الانتخابي عزمه على شن الحرب على العراق، لأن ما كان يقال عن امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل كان مجرد تبرير بلا أساس مادي، ولهذا فإن التفويض انصب على قضايا اقتصادية ومعاشية للمواطن، ولما كان الشعب مصدرا للسلطات على وفق نظرية الحكم السائدة في الديمقراطيات الغربية، فإن الخروج على إرادته، سواء بالخروج على مضمون التفويض الممنوح للأحزاب الفائزة في الانتخابات التشريعية، أو بالخروج على إرادته المعلنة عبر وسائل التعبير المباشرة، كالتظاهرات واستطلاعات الرأي العام، لا بد أن يرتب استحقاقات للشعب على حكامه، تماما كما سيرتب استحقاقات للبلدان التي تضررت نتيجة للخروج على التفويض الممنوح للحكومات. لقد صممت الإدارة الأمريكية على خيار الحرب وغزو العراق، ولفقت تلك الإدارة كذبة أسلحة الدمار الشامل وصفقة اليورانيوم مع النيجر، كما تمسكت بزعم علاقات العراق مع ما تسميه الإرهاب الدولي، وحاولت ودون أي سند مادي إلصاق جزء من مسؤولية ما حدث في 11/9/2001 على العراق، يقول جورج تينت مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، في كتابه (في قلب العاصفة) والذي يسرد فيه مذكراته أثناء عمله مديرا لأكبر جهاز استخبارات في العالم، يقول وهو يشرح كيفية دخوله إلى البيت الأبيض، صباح اليوم التالي لتفجير برجي التجارة العالمية في نيويورك (شاهدت ريتشارد بيرل خارجا من المبنى فيما أهمّ بدخوله، وبيرل هو أحد عرّابي حركة المحافظين الجدد، وكان ذات يوم رئيس مجلس السياسة الدفاعية، وهو مجموعة مستقلة تقدّم المشورة لوزير الدفاع، لم تكن العلاقة بيننا أكثر بكثير من معرفة عابرة، وعندما أغلقت الأبواب خلفه نظر كل منّا إلى الآخر وهزّ رأسه، وعندما وصلت إلى الباب، التفت بيرل إليّ وقال — يجب أن يدفع العراق ثمن ما حدث أمس، إنهم يتحملون المسؤولية -) ويكمل تينت قصته فيقول (ذهلت لكنني لم أقل شيئا، فقبل ثماني عشرة ساعة، تفحصت كشوف المسافرين على متن الطائرات المختطفة الأربع وأظهر ذلك بما لا يدع مجالا للشك أن القاعدة تقف وراء الهجمات، وفي الأشهر والسنين التالية، تفحّصنا بعناية احتمال وجود دور تعاوني لدول راعية، ولم تعثر الاستخبارات لا في ذلك الوقت ولا الآن على أي دليل على تواطؤ عراقي). وتساءل تينت وبمغزى واضح (مع من كان ريتشارد بيرل مجتمعا في البيت الأبيض في صباح هذا اليوم الباكر بالذات؟). وعلى أهمية هذه الشهادة، نلاحظ أن تينت ورغم أنه يشغل أخطر منصب أمني في الولايات المتحدة، وقت وقوع حادث 11/9، إلا أن سكوته عن ذكر الحقيقة التي أشار إليها في مذكراته حول جنسيات المنفذين، أمام ريتشارد بيرل يعني عدم شجاعته في تعاطيه مع سلة المعلومات التي جمعها بحكم منصبه، وهو ما يعني أنه ربما أحجم عن طرحها أمام الرئيس وبقية أركان الإدارة الأمريكية، وهذا يمكن أن ينسحب على الملفات العراقية الأخرى، التي كانت لافتة عريضة للإدارة الأمريكية في تهيئة مسرح عمليات غزو العراق، وما يصح على طمس الحقائق المتعمّد الذي مارسه تينت، ذهب مسؤولون أمريكيون آخرون إلى مديات أبعد في هذا الشأن، ولكنّ شهادة مدير وكالة المخابرات المركزية لها قيمتها الخاصة. أما نتائج التحقيقات اللاحقة التي قامت بها لجان أمريكية وبحثت في عموم أرض العراق، وكل ما وضعت يدها عليه من وثائق، والتي أكدت بشكل قاطع عدم امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل وكذلك عدم وجود صلة له بما يسمى بالإرهاب، فقد كانت معروفة تماما لدى من خطط للحرب واحتلال العراق، ولما كانت الولايات المتحدة تمثل استثناء من الكثير من قواعد القانون الدولي، على الأقل في (الحقبة الأمريكية التي ستستغرق زمنا قد يطول أو يقصر تبعا لنتائج معركتها الراهنة ضد ما تسميه بالإرهاب، ومعركتها في العراق خاصة)، ولكن ذلك لا يعني بأي حال أن الولايات المتحدة، بما تمتلكه من قوة عسكرية هائلة، تستطيع البقاء فوق القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة إلى الأبد، ثم أن هذا لا يمكن أن يحول دون حق الشعوب في مقاضاة الدول المعتدية، حتى إذا كانت بوزن الولايات المتحدة. إن تعريفا محددا للإرهاب لم يعتمد حتى الآن من قبل الأمم المتحدة ولا من طرف أية منظمة دولية أخرى، وهذا هو أطلق يد الولايات المتحدة للتعسف في تفسير الإرهاب، على أنه كل فعل يتعارض مع مصالحها وأمنها، ولهذا جندّت قدراتها العسكرية في توجيه ضربات انتقامية، وأحيانا استباقية ضد أي تهديد محتمل أو مبني على مجرد افتراضات ذات أهداف سياسية، لبلدان تتقاطع مع السياسة الأمريكية، ومن أجل عالم مستقر ينبغي وضع تعريف محدد للإرهاب، وتحديد وسائل التصدي الجماعي أو الفردي له، ووضع ضوابط صارمة للخروج على الإرادة الجماعية للمجتمع الدولي في هذا الاتجاه، واعتبار أي عمل عسكري تحت لافتة الحرب على الإرهاب، إرهابا يقتضي وقفة جماعية ضده. وحتى في حال امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، والصلة بتنظيم القاعدة، فهل يجب أن تكون الحرب هي لغة التخاطب معه؟ ومن هو الذي أعطى التفويض للولايات المتحدة بحق شن الحرب عليه؟ وهل تكون الحرب هي الحل المناسب لأية حالات مماثلة في المستقبل؟ وألا تعد التدابير التي اتخذتها الولايات المتحدة وحلفاؤها في الإعداد لغزو العراق في 2003 إرهابا وخروجا على القانون الدولي، ترك من الآثار المدمرة على المجتمع الدولي أكثر بكثير من امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، أو الصلة بتنظيم القاعة؟ ليس من حق أية دولة تمتلك قوة عسكرية كبيرة، أن تتولى بنفسها مسؤولية تطبيق بنود ميثاق الأمم المتحدة، لأن العالم في مثل هذه الحالة سوف يعيش فوضى لا يمكن لطرف أن يتكهن بنتائجها، خاصة إذا لعبت التفسيرات والقناعات والمصالح الخاصة لهذه الدولة الكبرى أو تلك دورا في وضع هذا التفسير، وحينها سيتحول العالم إلى مسرح لصراع مصالح ونفوذ يمكن أن يجره إلى حافة حروب شاملة. إن آلية التصويت المعتمدة الآن في مجلس الأمن الدولي، نتيجة التوازنات القلقة من جهة، والخشية من تبعات الخروج على الإرادة الأمريكية حتى من قبل دول كبرى مثل روسيا والصين، نتيجة الهيمنة الاقتصادية الأمريكية على أهم المفاصل في العالم، جعلت من المجلس والأمم المتحدة، مظلة تضفي الشرعية على خطط الولايات المتحدة والتي تعرض الاستقرار في العالم للخطر بل وتضع القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، في مظنّة التواطؤ مع الأقوياء في عالم اليوم ضد الدول الصغيرة. أما دعاوى نقل الديمقراطية، وهو الهدف الأمريكي المعدّل للهدفين الساقطين في عملية غزو العراق، فهو هدف لا يعدو عن كونه مجرد موقف سياسي تتحكم فيه نوعية علاقات الولايات المتحدة مع الدول الاخرى، فالمعروف أن أمريكا تتغاضى كثيرا عن نظم تمارس أسوا الخروقات لحقوق الإنسان، ولا تعرف شيئا عن الديمقراطية، لا في ممارساتها ولا في قوانينها، ومع ذلك فإن واشنطن تحتفظ معها بأقوى العلاقات، ولكن أمريكا تتخذ أقسى التدابير ضد بلدان اخرى لمجرد أنها تختلف مع السياسة الأمريكية في محاورها المختلفة، ويبقى سؤال مهم في هذه النقطة بالذات وهو متى كانت الديمقراطية سلعة قابلة للتصدير والاستيراد، ومتى كانت قابلة للشحن على أجنحة الطائرات الحربية والصواريخ العابرة للقارات؟ وإذا كانت اليابان لم تطرح إلى الوقت الراهن فكرة عرض قضية ضربها بالقنبلتين الذريتين الأمريكيتين، فإن هذا لا يعني أن حقها في ذلك قد سقط بالتقادم، فضلا عن أن موقفا تلتزم به اليابان لا يعتبر ملزما للغير بأي حال، ثم أن ضرب اليابان ومع بشاعته وبشاعة ما نجم عنه من مآس إنسانية لم يستطع الزمن من محوها، فإن الضربة الأمريكية لها جاءت في حرب شنها المجتمع الدولي على كل من ألمانيا واليابان، لأنهما عرضتا الأمن والسلم الدوليين للخطر، فضلا عن أن ميثاق الأمم المتحدة، صدر بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وكواحد من نتائجها الإيجابية، وعلى هذا فإن الحرب التي شنت على العراق كانت خروجا على الميثاق وتحديا له، ولا يمكن مقارنتها بما وقع في الحرب العالمية الثانية بأي وجه من الوجوه. ما ينطبق على الولايات المتحدة، ينطبق على الدول الأوربية التي اندفعت بآلية عمياء وراء الخطط الأمريكية، حتى وإن كان جهدها أقل في جانبه العسكري من الجهد الأمريكي، ولعل موقف رئيس وزراء اسبانيا السابق، خوزيه ماري أزنار، وركوبه قطار الحرب الأمريكي، وحضوره المؤتمر الثلاثي مع الرئيس الأمريكي جورج بوش ورئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير، في جزر الآزور، ما يمكن اعتباره مثالا للتقاطع بين التفويض الذي حصل عليه في الانتخابات التي سبقت الحرب، وما أقدم عليه من خطوة ورطت اسبانيا في موقف عدائي مع بلد عربي، كانت علاقتهما على الدوام مثالا للعلاقات الحسنة المبنية على أساس المصالح المشتركة، وخطوة أزنار هي التي أثارت ضده تظاهرات شعبية حاشدة في محاولة لثنيّه عن قراره، وهي التي أسقطته في أول انتخابات تشريعية في البلاد، وهي التي دفعت بفريق من المحامين الاسبان للتحرك من أجل تقديمه للمحاكمة، لخروجه على التفويض الممنوح له في الانتخابات النيابية التي جاءت به رئيسا للوزراء. وكان لقرار أزنار في المشاركة في الحرب الأمريكية على العراق، الدور الواضح في اعتماد قانون على المستوى الوطني، بحصر قرار شن الحرب بالمجلس النيابي، وعلى أهمية هذا القرار، فإنه يبقى ناقصا لأن من يريد دفع بلده باتجاه الحرب يستطيع ممارسة الضغوط على أعضاء البرلمان لتغيير مواقفهم، خاصة إذا كان يمتلك أغلبية كبيرة فيه، وقد يجد له أصواتا مؤيدة من الأحزاب الاخرى بما فيها المعارضة، على ذلك فإن الحل الذي يمكن أن يكون ضامنا للأمن والاستقرار في عالم اليوم، يجب أن يحصر قرار الحرب في استفتاء شعبي عام، لقول كلمة نعم أو لا للحرب، كي يتحمل الشعب كله تبعات قرار يمكن أن يقود البلد إلى نزيف دموي ومالي طويل الأمد، وكي يتحمل الشعب كله المسؤولية القانونية والجنائية والأخلاقية للحرب، وما يمكن أن يحصل في المستقبل من مطالبات بالاعتذار والتعويضات، من قبل البلدان التي تعرضت للعدوان، هذا إذا أردنا عالما خاليا من حروب تشنها أطماع الأقوياء للسيطرة على ثروات الدول الصغيرة. |
|