عزالدين بن حسين القوطالي
كان من الواضح منذ البداية أن قرار الدخول في الإضراب العام متّسم بالتسرّع وردّ الفعل البافلوفي الذي يفتقر الى التخطيط بعقل هادئ بعيد عن التشنّج والإرتجالية.
وكان من البيّن أيضا أن خطورة إستعمال سلاح الإضراب العام لم تكن متطابقة مع توفّر شرطي الإرادة والتصميم الذين تقتضيهما طبيعة المعركة المرتقبة وضروراتها التعبوية.
وفي إعتقادي أن القيادة النقابية في تونس قد تعاطت مع مسألة الإضراب العام بعقلية غير إحترافية تجلّت في إنعدام التخطيط وسوء إدارة الصراع من حيث التعبئة والتنظيم وإختيار التوقيب المناسب مما أدى الى عدم تطابق الهدف مع متطلّباته التحضيرية وهذا يعدّ خطأ منهجيّا قد تكون له آثار كارثية في حالة فشل الإضراب العام أو التراجع فيه تحت أيّ سبب كان.
وبما أن الإضراب العام هو أخطر سلاح يمكن إستعماله في المعارك النقابية وفي الحالات القصوى التي ينعدم فيها الحوار فإنه من الضروري أن يكتسي صيغة الجدّية والفعالية وما يعنيه ذلك من إستنفاذ لجميع وسائل الإحتاج النقابي ذات الأبعاد الجزئية من حيث الزمان والمكان تمهيدا لتصعيد أشكال النضال النقابي الى ما هو أرقى وأدقّ وأشمل.
وخلال الفترة الفاصلة بين الأدنى والأقصى من صيغ النضال النقابي تتحّرك ماكنة المنظمة النقابية نحو حشد القواعد وتعبئتها وتنظيمها وإعدادها لمباشرة الإضراب العام عبر توسيع قاعدة الحلفاء وخلق حالة إلتفاف جماهيري شعبي حول الإضراب بما يضمن فرص تحقيق أوفر الحظوظ لنجاحه.
ولهذا فإن كلمة السرّ لنجاح أيّ إضراب عام في المرحلة الراهنة وفي مقبلات المراحل هي التخطيط المسبق وفق تصورات مستندة الى رؤية واضحة لميدان المعركة والإستعدادات الذاتية لخوضها وحجم الخصم المقابل كمّا وكيفا وهو الأمر الذي لم نلحظ له أثرا في تجربة القيادة النقابية الحالية وتعاطيها مع قرار الإضراب العام.
ومن الطبيعي بعد هذا التوصيف المختصر أن تتّسم مسلكيات القيادة النقابية بالتردّذ والتذبذب والإستعداد للتنازل بل وحتى التفريط في مطالب الحد الأقصى تحت طائلة الضغط السياسي من جهة وبمفعول إنعدام التوازن المطلوب بين الهدف والوسيلة من جهة ثانية.
وعلى هذا الأساس كان لا بدّ من وقفة نقدية تلامس مواقع الخلل في قرار الإضراب العام ومن ثمّة وضع أدوات دائمة لإدارة المعارك النقابية ونضالات العمال مستقبلا عبر صياغة شروط التحرّك وضروراته الذاتية والموضوعية حتى نضمن أوفر سبل النجاح بأقلّ ما يمكن من الخسائر وهو الأمر الذي يستدعي الرجوع الى مبادئ مركزية شكّلت ولا زالت مفاتيح إنتصارات الكادحين في مختلف معاركهم.
ولعلّ أهمّ شروط النجاح في إدارة المعارك النقابية هو توفّر عقل إستراتيجي قادر على إستيعاب معطيات الواقع الميداني وتوظيفها لخدمة المعارك الخاطفة أو طويلة الأمد تبعا لظروف المرحلة وموازين القوى فيها والقدرة على الصمود بعد إمتصاص الزخم التعبوي وإرتخاء الفورة المعنوية للخصم النقابي أو السياسي وهذا مشروط بقدرة القيادة النقابية على عقلنة الصراع والتحكّم في تفاصيله وإختيار التوقيت المناسب للتوغّل فيه ولن يتمّ ذلك إلاّ إذا إلتزمت القيادة النقابية منهج التخطيط العلمي المسبق إذ لا صراع بدون تخطيط ولا إنتصارات بمعزل عن الإعداد الجيّد والقراءة الموضوعية للمرحلة وحجم الخصوم.
ومن هناك فإنّ القيادة النقابية التي أبرمت للتوّ إتفاق إلغاء الإضراب العام ملزمة مستقبلا بتفادي أساليب النضال المؤسسة على فورات آنية أو إنطباعات شخصية أو حالات طارئة كما أنها أصبحت مطالبة بإتخاذ الإحتياطات التحضيرية والتمهيدية لأية معركة نقابية في المستقبل القريب والمتوسط والبعيد وفقا للشروط والمتطلبات المنهجية التالية :
ﺃﻭﻻ: ﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ يحتمل ﺍﻟﺘﺨﻄﻴﻂ أدنى ﺧﻄﺄ، ﻓﺈﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ الخسارة ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺳﻮﺀ التخطيط في ﺍﻷﻣﻮﺭ المدنية ﺃﻣﻮﺍﻻ ﺃﻭ ﺑﻀﺎﻋﺔ ﻓﺈﻥ الخسارة ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺳﻮﺀ التخطيط في ﺍﻷﻣﻮﺭ السياسية والنقابية هي الهزيمة المحتّمة والإنتكاس الجماهيري، ﻓﺎﺣﺘﻤﺎﻝ الخطأ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺻﻔﺮﺍ بالمائة ﻷﻥ ﺍﻟﺘﺨﻄﻴﻂ ﻫﻨﺎ يتعلق بمصير التنظيم أو المنظمة.
ﺛﺎﻧﻴﺎ: ﻻ ﺗﺴﺘﺨﺪﻡ ﻧﻔﺲ الخطة ﻣﻊ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻌﺪﻭ.
ﺛﺎﻟﺜﺎ: ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ يخطط ﻣﻦ لم ينزل الى الميدان ﻷﻥ ﺍﻟﺘﺨﻄـﻴﻂ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﺻﺎﺩﻗﺎﹰ ﺇﻻ ﺇﺫﺍ ﻧﺒﻊ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺠﺮﺑﺔ.
ﺭﺍﺑﻌﺎ: إذا فشلت الخطّة ﻓﻌﻠﻴﻚ ﺑﺄﻣﺮﻳﻦ وهما : تغيير طريقة التفكير وتغيير من نفّذ الخطّة تبعا للمقولة الشائعة : إذا فشل القادة في إدارة المعركة وجب تغييرهم.
ﺧﺎﻣﺴﺎ: ﺇﺫﺍ ﺃﺭﺩﺕ ﺍﻟﺘﺨﻄﻴﻂ الجيّد لعملية مواجهة سياسية أو نقابية ﻓﻀﻊ ﻧﻔﺴﻚ ﻣﻮﺿﻊ الخصم ﻟﺘﻌﺮﻑ ﻛﻴﻒ ﻳﻔﻜﺮ ذلك أﻥ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ الى تفكير الخصم الخصم ﻫﻮ ﺃﻓﻀﻞ ﻣﻔﺘﺎﺡﻟﻠﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻴﻪ.
ﺳﺎﺩﺳﺎ: ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺘﺨﻄﻴﻂ ﺿﻊ ﺑﺪﺍﺋﻞ ﻭﻋﻨﺪ ﺍﻟﺘﻨﻔﻴﺬﺍﺳﺘﺨﺪﻡ ﻗـﺎﻧﻮﻥ ﺍﻻﺳﺘﺜﻨﺎﺀﻭﻗﺎﻧﻮﻥ ﺍﻻﺳﺘﺒﺪﺍﻝ ﺩﻭﻥ ﳎﺎﻣﻼﺕ.
ﺳﺎﺑﻌﺎ: ضع الميدان ﺃﻣﺎﻣﻚ ﻭﻓﻜﺮ ﻋﺸﺮﺍﺕ المرات ﻗﺒـﻞ ﺃﻥ ﺗﻘـرّ الخطّة.
ﺛﺎﻣﻨﺎ: ﻋﻨﺪ ﻭﺿﻊ الخطّة أﺩﺭﺳﻬﺎ ﺳﻴﺎﺳﻴﺎ ﻭﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴـﺎﺇﺿـﺎﻓﺔ الى الجانب الميداني، ﻷﻧﻚ ﻻ ﺗﻌﻤﻞ بمعزل ﻋﻦ ﺫﻟﻚ.
ﺗﺎﺳﻌﺎ: ﺗﻮﻗﻊ ﺃﺳﻮﺃ ﺍﻻﺣﺘﻤﺎﻻﺕ التي ﻗﺪ تحدث ﺣﺴﺐ ﻣﻌﻄﻴـﺎﺕ ﺃﺣﺪﺍﺙ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ، ﻷﻥ ﻣﻦ ﺗﻮﻗﻊ ﺍﻷﺳﻮﺃ ﻭﺃﻋﺪّ ﻟﻪ ﺣﺼﻞ ﻋﻠﻰ ﺃﻓﻀـﻞ ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ وﻣﻦ ﺍﺳﺘﻌﺪﻟﻠﺨﻮﻑ ﻧﺎﻝﺍﻷﻣﻦ.
ﻋﺎﺷﺮﺍ: تخيّر ﺃﻓﻀﻞ المناضلين ﻟﺘﺤﻘﻖ ﺃﻓﻀﻞﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ.