هاني الفردان
في 21 يناير/ كانون الثاني أعلن وزير العدل والشئون الإسلامية والأوقاف الشيخ خالد بن علي آل خليفة، فجأةً ومن دون مقدمات عن مشروع جديد لـ «استكمال حوار التوافق الوطني» وبتوجيهات من عاهل البلاد.
وقد تحدّثت في مقال سابق بعنوان «45 يوماً بين حوار ولي العهد وحوار السلطة» عن إشكالية الحوار الجديد، وأهداف السلطة منه، والتي تتلخص في وضع المعارضة في «مأزق» سياسي، بعدما كانت السلطة في «مأزق» سياسي، من خلال رفضها لدعوة حوار سمو ولي العهد في السابع من ديسمبر/ كانون الأول 2012.
في هذا المقال، سنتحدث عن مأزق التصريحات لدى المسئولين بخصوص الحوار، وخصوصاً مع حرص السلطة الشديد على التكتم بشأن كل ما يتعلق به. فقد اكتنف الدعوة الأخيرة للحوار الغموض، مع وجود شح في المعلومات، وهو أمر كان مقصوداً لأغراض إعلامية، وللحصول على التأييد الدولي قبل الكشف عن تفاصيل الحوار، وما يحويه من خبايا.
في يوم الأربعاء (23 يناير 2013) أصدرت وزارة العدل بيانها الثاني المقتضب جداً بشأن تواصل الوزارة مع جمعيات سياسية من أجل تسمية ممثلين عنها للمشاركة في الحوار، وترتيب عقد أول اجتماع جماعي بين مختلف المكونات بهدف إيجاد التوافق على جدول الأعمال للحوار السياسي.
في يوم الخميس (24 يناير 2013) صرّحت وزيرة الدولة لشئون الإعلام والمتحدثة باسم الحكومة سميرة رجب لصحيفة «الشرق الأوسط» بشأن عدم مشاركة السلطة في الحوار المقبل. وقالت بالحرف: «إن الحكومة ستشارك في مؤتمر الحوار السياسي كمنسق لبرامج وفعاليات الحوار الذي دعا له العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وستتولى تنفيذ التوصيات التي سيتم التوافق عليها ولن تشارك في الحوار كطرف مقابل المعارضة السياسية».
أمس الثلثاء (29 يناير 2013) صدر تصريح جديد للوزيرة وفي الصحيفة ذاتها (الشرق الأوسط) أكدت فيه أن «السلطة ستكون مشاركةًَ في الحوار وستبدي رأيها وستدير الحوار وتشرف عليه، لكنها لن تكون طرفاً مقابل أي طرف آخر»!
خلال خمسة أيام الفارقة بين التصريحين، لم يعرف أحد حتى الآن طبيعة وجود السلطة في الحوار، وما هو دورها؟ في التصريح الأول للوزيرة، لا حديث عن مشاركة فعلية للسلطة في الحوار، ونسفت وجودها على طاولة الحوار قبال المعارضة، بل ستكون «منسقاً لبرامج وفعاليات الحوار، وستنفذ التوصيات». في التصريح الثاني للوزيرة، «ستشارك الحكومة في الحوار وسيكون لها رأي، وستدير الحوار وتشرف عليه». وهو أمر يتناقض مع ما صرح به وزير الخارجية الشيخ خالد بن احمد آل خليفة أمس من أن «الجمعيات السياسية هي من ستقود الحوار»، فمن نصدق وزيرة الإعلام، أم وزير الخارجية؟!
وبين تلك التصريحات فروق كبيرة جداً، تجعلنا نسأل: ما الذي تغيّر خلال خمسة أيام فقط؟ الحقيقة الواضحة هي أن السلطة وبحسب التصريحات الرسمية ستوافق على ما يتم التوافق عليه، بل ذهب وزير الخارجية في تصريحاته أمس للقول ان «السلطة ستبارك ما سيتم الاتفاق عليه بين الجمعيات دون أي فرض». وخلال الأيام الخمسة الماضية، شهدنا أول توافق واضح وصريح بين ما يمكن أن نسميهم «مكونات الحوار المقبل» على رغم عدم وضوح الصورة بعد.
بحسب التصريحات الرسمية حتى الآن، فإن السلطة أو الحكم أو النظام (بحسب ما يفضل كل فصيل)، ستبقى منفّذةً ومبارِكةً لما تتوافق عليه هذه الأطراف، وأول توافق حدث بين الفريقين حالياً، هو إصرار الجانبين «المعارض» و «الموالي» على أن يكون الحكم (صاحب القرار) طرفاً أساسياً في الحوار.
فهل ستبارك السلطة على التوافق العلني والواضح؟ أم ستهرب منه؟ لا أحد يعلم بعد.
وجود الحكم على طاولة الحوار، هو التحدي الأول الذي وضعت نفسها فيه، ضمن ما عرف بـ «مباركة» التوافق، فقد حدث توافق عبر بيانات رسمية، ودون الحاجة لطاولة الحوار.
في الجانب الآخر، وضعت السلطة ثقلها الكامل وثقتها في فريق «يتفاوض» نيابةً عنها، ويتحمل عبء الدفاع عن مرئياتها وأطروحاتها في قبال فريق المعارضة، وكان واضحاً ذلك عندما قالت الوزيرة سميرة رجب في تصريحها الأول ان السلطة «لن تشارك في الحوار كطرف مقابل المعارضة السياسية»، وهو ما يعني أن فريقاً آخر سيشارك نيابةً عنها.
الوزيرة حاولت تفادي ما يمكن أن نسميه بـ «إرباك» تصريحها الأول، في تصريحها الثاني، عندما أكدت أن السلطة ستشارك في الحوار وستبدي رأيها وستديره، و «لن تكون طرفاً مقابل أي طرف آخر».
مع جلبة تصريحات المسئولين في السلطة عن الحوار، نجد أن الوزير المعني بـ «استكمال الحوار» ألا وهو وزير العدل، لم يصدر سوى بيانين فقط، ومقتضبين، الأول الدعوة، والثاني التواصل مع الجمعيات وطلب تسمية الممثلين عنه، دون أية تفاصيل أخرى، وهو أمر يثير الاستغراب، ويؤكّد ما ذهبنا إليه، في أن معركة «الحوار» إعلامية سياسية، تقودها الوزيرة، ولا يعلم عنها الوزير.