قاسم حسين
من أكثر لقطات الفيديو تداولاً بين البحرينيين هذه الأيام ما جرى من ملاسنةٍ بين أحد النواب ورئيس مجلس النواب.
الملاسنة بدأت حين بدأ النائب بالتعليق على زميلٍ له، ادعى أن الاقتصاد البحريني «كلش تمام»! وقال: «آنه ما بغيت آتكلم بس لما سمعت أحد الزملاء يقول أن اقتصانا اقتصاد نمو… فهذا يدل على أنه يعيش في الخيال»!
النائب أضاف أن اقتصادنا هو أضعف اقتصاد في مجلس التعاون، فدول الجوار تسجل نمواً بين 15 و 20 في المئة (هذا الرقم يمكن مب صحيح!)، بينما نمو اقتصادنا بين 2 و3 في المئة. فأي اقتصاد عندنا؟
رئيس مجلس النواب عند هذه اللحظة حاول أن يقطع عليه الحديث قائلاً: «هناك ناس يسجلون عليك واللي يفكرون في الاستثمار… ما راح يجونك»! فردّ عليه النائب: هذا هو الواقع! كل تجار البحرين يشتكون. هناك مشكلة عودة! لازم ما نخش»!
فيديو الملاسنة يعكس واقع حال البرلمان الحالي، من حيث تفكّكه وضعف أدائه وضياع بوصلته، وخلوه من المواقف الصلبة. برلمانٌ طُعن طعنةً نجلاء، حين اتهمته إحدى الوزيرات في رجولته، فهدّد وأرعد وأزبد، وأعلن عمد العودة للانعقاد ما لم تتقدم الوزيرة باعتذار. وبقية القصة معروفة للداني والقاصي: الوزيرة لم تكترث للمجلس، ولم تعتذر، ولُفلِفَت القضية بما لم يحفظ لأعضاء المجلس اعتبارهم، ولا مياه وجوههم، وعادوا في الأسبوع التالي للاجتماع!
من يومها، وربما قبل ذلك بعام أو أكثر، (مع انسحاب كتلة الوفاق المعارضة)، أصبح المجلس يعيش في الظلّ، ولم يعد يحظى باهتمام الشارع، ولم تعد تكترث له معارضة ولا حتى موالاة، فضلاً عن الحكومة. فمجلس لا يقوى على ردّ الإساءة عن نفسه، لهو مجلسٌ ضعيف!
لم تعد هناك معارك كبرى ولا صغرى، وسرعان ما تحوّل الكثير من أعضائه إلى نوّاب للحكومة، يخرجون على الفضائيات، لا ليدافعوا عن مصالح الشعب ووحدته ومستقبله، وإنّما للدفاع عن وجهات نظر الحكومة وسياساتها، والإسراع في تحقيق رغباتها. وهكذا استقرت في قناعات الناس أن سلطةً ذابت في سلطةٍ، وتبخّرت المقولة التي كانوا يسمعونها كثيراً عن السلطات الثلاث، وضرورة الفصل بين السلطات!
فيديو «الملاسنة»، يكشف البرلمان من ناحيته الأخرى: رأس الهرم، الذي تحتله شخصيةٌ محافظة، عُرفت بمواقفها اليمينية. ولذلك لم يكن غريباً أن يحاول إيقاف النائب من الاسترسال، ومنعه من الحديث، مع أن كلامه معروف وليس فيه جديد، ولم يكن فيما باح به أسرار ولا هم يحزنون.
إنها مشكلةٌ بنيويةٌ تتعلق بالثقافة والعقلية وطريقة التفكير! العالم من حولنا يتغيّر. لم يعد هناك أسرار دول حتى نخفي أسرارنا تحت السجادة مع الغبار. دول الجوار تتنافس في بناء المطارات والقطارات، بينما نحن نتصوّر أننا حين نسكت نائباً عن الحديث عن ضعف اقتصادنا، سنخدع المستثمرين الأجانب ونشجعهم على المجيء باستثماراتهم إلى بلادنا! المستثمرون يا سيّد… لا يتابعون جلسات برلمان رهن قراره برغبات الحكومة، ليتخذوا قراراتهم الاستراتيجية في استثمار الملايين!
إنها قضية ثقافة! وطرازٌ قديمٌ من التفكير عفى عليه الزمان، حين يستتر المرء بكُمّ ثوبه، في وقتٍ يتداول فيه الناس الصور والمعلومات ومقاطع الفيديو ولقطات الملاسنات النيابية… بالواتس أب!