مريم أبو إدريس
نستنكف على المطالبين ببقاء الوضع الراهن اليوم غياب صوتهم، واستبداله بتلك الجمعيات الموالية التي تؤصل للدكتاتورية والتفرد، وتحارب الديمقراطية وحقوق الانسان، مرةً بترهيبهم من شركاء الوطن، وأخرى بتأكيد أن الديمقراطية لا تناسبنا، وثالثة برفض أن يكون لصوت المواطن قوة عبر استفتاء يختار فيه الشعب قراراته بصوت الأغلبية.
منذ خروج المارد من قمقمه لم يحدث أن طالب بحق المواطن البحريني في حياةٍ كريمة، لم يعارض السلطة في قرار رغم وفرة الأخطاء، وفي سابقة لم تحدث أبداً دجّنت جمعياتٌ تدّعي أنها معارضة أتباعها ليكونوا كحجر الشطرنج يوضع أينما اقتضى الامر.
لقد تجاوزت هذه الجماعات ما يمكن أن يُعتبر إنسانياً حين رقصت بانتشاء وبلا حياء على وقع الجنائز المفجوعة، وفوق جثث المتضررين، دون وقارٍ او احترام للموت المهيب، الذي يأتي حاصداً الأرواح من أجل غدٍٍ ننعم فيه باحترام الدولة، تماماً كما أقيم برلمان اليوم فوق أشلاء شهداء التسعينيات، يجلس اليوم برلمانيون فوق أعقاب عظامهم دون تقديرٍ لقيمة أن يكون للمواطن اليوم بعض صوت.
يقول بنجامين فرانكلين أحد مؤسسي الولايات المتحدة ان «العدالة لن تتحقق إلا إذا غضب أولئك الذين لم يتضرروا مثل غضب الذين تضرّروا»، وفي الولايات المتحدة الأميركية، لم يحصل السود على حقوقهم كمواطنين بسبب نضالهم وحدهم، لقد تركت أصوات البيض الذين انضموا لهم بصمتها عبر التاريخ كبشرٍ ارتقوا بالإنسانية إلى المستوى الذي تتطلبه الحضارة، وتجاوزوا مسألة اللون والعرق وطالبوا بتساوي حقوقهم مع آخرين كانوا حتى وقتٍ قريبٍ يمتلكونهم كعبيد.
إن الأمر لا يتعلق بـ «نحن» و «هم»، بل بمقدار إيماننا بقيم العدالة والمساواة والانسان، بالمقدار الذي نريد أن نرتقي وننتقل للحضارة.
الحضارة تتطلب سمواً في الإنسان للمستوى الذي ينصف الآخرين وإن كان الأمر يخالف مصلحته الخاصة. وما يعجزنا اليوم عن الخروج من جلباب الحضارة الإعلامية المزيفة التي التصقنا بها عقداً من الزمن، هو غياب هذا الضمير الذي يشكّل حلقةً أساسيةً في تكوين حضارة الأمم.
وجود جمعيات معارضة المعارضة اليوم في الحوار الذي دعت له السلطة لا يعدو كونه حمايةً لمصالح جهةٍ معينةٍ لا علاقة لها بالمواطن المغلوب على أمره سواءً أكان موالياً أم معارضاً، ومواقفها استهتار بمطالب وحقوق غالبية الشعب في الانتقال والارتقاء السلمي على سلم الديمقراطية.
إن المطالب ليست صوتاً ناعماً ينسكب بحياء على مسامع السلطة، بل هي مستحقات تتطلب التوقف والإصغاء والاستجابة لإرادة الشعب الذي يطالب باستفتاء على مطالبه المشروعة، وهي قمة الديمقراطية، فيما تسعى تلك الجمعيات والجماعات لرفض ذلك، ماسخةً صوت ممثليها لمجرد أتباعٍ لا صوت لهم.
لم يعد الأمر عقائدياً، مضى ذلك منذ قرون، هذا صوت الإنسان يناديكم. إن لم يحرّك ضميركم دمه النازف، وعمره الآزف، فاعلموا أن ضمير هذه الأمة قد فسد، وكما كتب الصديق الكاتب محمد العجمي من الكويت عبر تويتره منذ أيام، في توصيف عميق لحال أمتنا الغارقة في وحل تاريخها المزيّف: «سجونهم لا تفرّق بين العمائم واللحى، وسياطهم خير من يطبّق الوحدة الوطنية. وحدكم أنتم الشعوب بلا خجل تسألون الدم: ما هو مذهبك»؟