قاسم حسين
من المؤسف جداً أن يسأل النائب الأول لرئيس مجلس الشورى جمال فخرو، وزير المالية الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة: «أين تم صرف المليار دينار الذي اقترضته الحكومة؟». وفي روايةٍ أخرى أنه قال للحكومة: «احتجتم 30 مليون دينار واقترضتم ملياراً… أين الباقي»؟
المؤسف أن السؤال طرحه النائب الأول لرئيس مجلس الشورى، وليس أحد أقطاب المعارضة أو أنصارها أو بعض الصحافيين المشاغبين، أو الأفراد العاديين من الجمهور. (نعم دينار وليس دولار)،
إنه ليس من حقّ النائب الأول ولا النائب الأخير للرئيس أن يسأل. يكفي أن الحساب الختامي الموحد للدولة للسنة المالية 2011 تم إقراره في مجلسكم وانتهى، وليس من حقّكم البحث في الملفات القديمة! ألم تسمع أن التاريخ لا يعود للوراء؟ وأن ماء النهر لا يعود إلى المنبع؟ فمن أنت حتى تفكّر بإعادة التاريخ إلى الوراء؟
ثم ألم تسمع المثل الشعبي «طارت الطيور بأرزاقها»؟ فهل تريد أن تسترجع أرزاق الطيور من أفواهها؟ وهل انتزاع الأرزاق من أفواه الطيور من شيم العرب؟ ومتى كان ذلك من صلب العادات العربية الأصيلة؟
ليس من حقّك أن تسأل أو تشكّك أو تثير الشبهات. وإذا كان لديك استفسار من هذا القبيل، كان يجب عليك أن تتخذ القنوات الشرعية وليس طرحه أمام خلق الله، فهذا يعتبر تشهيراً بالحكومة، وتشويهاً لسمعة الدولة. كما أنه يعطي انطباعاً خاطئاً لرؤوس الأموال الأجنبية بوجود بيئةٍ غارقةٍ في الفساد، وبالتالي تُحجم عن المجيء إلى البحرين للاستثمار وتهرب إلى البلدان المجاورة، وبالتالي يخسر الاقتصاد الوطني، وتزداد البطالة بين الشباب البحريني.
إن تصريحك سيكون له آثار مدمرة جداً، سواءً من الناحية الاجتماعية أو الاقتصادية أو البيولوجية، أو حتى من الناحية الهايدروديناميكية، وفي مقدمتها انهيار برامج وزارة العمل المخلصة لتوظيف الخريجين الجامعيين العاطلين عن العمل منذ سبع سنوات. وكان حرياً بك – باعتبارك النائب الأول لرئيس مجلس الشورى – أن تتحرّى الدقة، وتحسن اختيار الكلمات غير الجارحة، والامتناع عن التصريحات الثورية، ومحاولة افتعال المشاكل مع الوزراء!
حتى لو كان لديك استفسار أو ملاحظة أو حتى تنبيه، فذلك من حقّك الدستوري تماماً، ولا أحد يناقشك فيه أو يحجر عليك رأيك، لكن كان عليك أن تتخذ القنوات الدستورية الصحيحة، بعيداً عن المواقف الراديكالية، والتصريحات النارية.
كان بالإمكان مثلاً أن تدوّن ملاحظتك لتسلّمها مكتوبةً إلى رئيس المجلس، ليقوم بمتابعتها عبر القنوات الشرعية، حيث سيصلك الرد مكتوباً خلال ستة أسابيع، وستكون لديك كافة المعلومات والتفاصيل، ودون حاجةٍ لافتعال مثل هذه المشاكل وإثارة مثل هذه الأزمات التي لا داعي لها.
كان بالإمكان أيضاً إرسال استفسارك عن قرض المليار دينار (دينار وليس دولاراً)، عبر الايميل، ولن يمر غير ثلاثة أيام حتى يصلك الرد مفصلاً، عن كافة مصروفات القرض، بنداً بنداً، هللةً هللة. أما طرح هذا السؤال على منصة هيئة نظامية رسمية، ففيه إساءة كبيرة وتشويه سمعة وإضرار بالغير.
إنه خطأٌ كبيرٌ بلاشك، فالحكومة لم تتجاوز إجمالي الموازنة، والصرف يتم وفق الحدود التي رسمها الدستور، والاقتراض لا يتم سنوياً أو دورياً، وإنما وفق الحاجة والاضطرار، وللضرورة أحكام، سواءً تطلب ذلك أن نقترض كل شهر أو أسبوع.