مما لا شك فيه أن عددا من الأنظمة العربية تحمل ضغينة تجاه سياسات الاحتلال الصهيوني وممارساته ضد الفلسطينيين، وتتعرض لضغوط شعبية لكي تفعل شيئاً، ولكن العنصر الغالب على تحديد الوجهة السياسية للأنظمة العربية هو ارتباطهم بمحافل الشر الدولية المعروفة نتيجة التبعية العمياء لإدارات الشر الأميركية المتعاقبة.
ولكي لا نتهم بأننا نظلم أنظمة الذل والعار، فأنه لا بد من القول أن نتيجة ما وصل إليه الوضع العربي عموماً هو بسبب المواقف المعلنة لتلك الأنظمة منذ عام 1990، بعد تهاوي كرامتهم التي دخلت في غيبوبة تاريخية، بسبب إصابتها بالشلل الدائم، وفقدانها لإرادتها، وصارت تلك الأنظمة الملحقة بالقطار الأمريكي الصوت المعبَر عن ما تريده إدارة البيت الأبيض، الملحق هو الآخر بالقاطرة الصهيونية، إن من خلال مشاركتهم في العدوان على بلد عربي ألا وهو العراق، وما تلا ذلك من تآمر سري وعلني ومشاركة أسياسية في غزوه واحتلاله عام 2003، لذلك يمكن القول أن سبب ما وصل إليه الوضع العربي من تردي وانهيار سياسي واجتماعي وأخلاقي هي تلك الأنظمة.
وهنا لا بد من التنويه إلى أنه من الطبيعي أن يعمل أعداء الأمة والبشرية والإنسانية، للوصول إلى تحقيق غاياتهم بمختلف السبل، خاصة إذا تذكرنا أن سياسة الغرب بشكل عام هي "الغاية تبرر الوسيلة"، لذلك لا بد من القول أنه لا داعي لأي عاقل أن يلوم لا أمريكا ولا بريطانيا ولا حتى الصهيونية العالمية وكل أعداء الإنسانية، لأنهم يريدون تحقيق مصالحهم وأهدافهم بأية وسيلة ومهما كانت، بل أن اللوم يجب أن يوجه إلى أنظمة التبعية الناطقة بالعربية التي سهلت وشاركت قوى الشر العالمية في غزو العراق بعد أن ساهموا بتكريس الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين العربية، وفرضوا وجوده على أبناء الأمة شاء من شاء، وأبى من أبى باسم "السلام القائم على العدل" و"الأرض مقابل السلام"، و"سلام الشجعان" بعد أن تخلصوا من ذرة الكرامة التي كانت متبقية لدى بعضهم، لأن الأغلبية منهم فقدوها نهائياً بعد حرب تشرين/أكتوبر 1973، فبدأوا بسلسلة الاعتراف الرسمي العلني والسري بالكيان الصهيوني، دون أن يتصدى لهم أياً من القوى الحزبية والفكرية والعقائدية، إلا بعض الشرفاء المقدامين من أبناء الأمة الذين لقي البعض حتفه اغتيالاً على أيدي أزلام أنظمة الاستبداد، والبعض الآخر عذب في المعتقلات حتى الموت، وبعضهم لازال مشرداً على أرصفة الاغتراب داخل البلاد العربية وخارجها، ممنوع عليهم العودة إلى موطنهم الأصلي، بدعم كامل من أعداء الشعوب والأمم وفي مقدمهم إدارات الشر الصهيو-أميركية المتعاقبة وآخرها إدارة أوباما، وكذلك محافل الشر الدولية المعروفة، لذلك فأن الذي يتحمل تبعات ما يحدث في بلاد العرب من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي، هي الأنظمة العربية التي باعت كل شيء، الأرض والعرض، بعد أن سقطت ورقة التوت التي كانت تستر عوراتهم، وهنا أيضاً يجب التذكير بأن كافة الإدارات الأميركية المتعاقبة "الديمقراطية" و"الجمهورية" على حد سواء، وعلى امتداد عقود من الزمن، قد نجحت في تجويف الوضع العربي الرسمي من خلال ربط تلك الأنظمة بقيود البنك وصندوق النقد الدوليين اللذين ارتهنوا الأرض العربية وخيراتها المعلومة وغير المعلومة، وهيمنوا على كل المشاريع الوطنية والقومية التي كانت ثمرة نضاله الطويل، وفي الوقت نفسه جعلت الأنظمة العربية غير خاضعة مباشرة لإملاءات الكيان الصهيوني مباشرة، ولكنها قريبة من ذلك، وهو ما أعلن عنه أكثر من مرة على إن على لسان السيء الذكر (كولن باول) وزير خارجية أمريكا السابق، أو على لسان السيئ الصيت (دونالد رامسفيلد) وزير الدفاع الأمريكي الأسبق، حيث قالا إن هذا "الإنجاز العظيم بات قريب المنال"!!. لذلك تبدو واشنطن غير معنية بما يصدر عن أتباعها من الأنظمة في بلاد نجد والحجاز أو دول الخليج العربي أو المغرب العربي بشكل عام، حتى من تلك "الجامعة العربية" من احتجاج علني حول ما يجري في فلسطين بشكل عام وفي القدس بشكل خاص!.
وللتذكير أن التوجه الأمريكي هذا، برز بعد 11 أيلول/سبتمبر 2001، وتم تكريسه بعد غزو العراق واحتلاله، لذلك فإن إدارات الشر الأميركية المتعاقبة تعتبر أن الرأي العام العربي لا أهمية ولا وزن له، وليس وارداً أخذه في الاعتبار عند اتخاذ قرارات حماية الكيان الصهيوني، خاصة بعد نجاح إدارة مندوب الصهيونية العالمية في البيت الأبيض بفرض "سياسة الفوضى البناءة" على الأنظمة الناطقة بالعربية الحليفة لأميركا، التي قامت بدورها في تنفيذ هذه السياسة من خلال تفريغ الشارع العربي من قواه الحية باسم الديمقراطية، وجعلهم بعضهم نواب ووزراء، ولنا في لبنان مثال على ذلك، وأبعد من بلاد العرب لنا مثال آخر على "الديمقراطية والشفافية" في الانتخابات الأفغانية وفرض كرازاي على الشعب الأفغاني، وفي الوقت نفسه تم إلهاء الجماهير بما يصدر عن مفتي الأزهر من تصريحات وكلمات لا أعتقد أنها تصدر سوى عن مفتي السلطان، كما كان يحدث أيام الاحتلال العثماني (التركي) لبلاد العرب من المحيط إلى الخليج، أو بما يصدر عن جماعة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" حول المرأة وإذا كانت تصلح أو لا تصلح لقيادة السيارة وما إلى هنالك، أو عن ممثل هذه الطائفة أو تلك من كل المذاهب والأديان، وكأن الأمن مستتب في بلاد العرب بحيث يمكن للمواطن أن يترك أبواب ونوافذ بيته مفتوحة وينام بأمان واطمئنان، أو كأنه تم القضاء على الفقر في بلاد العرب، بحيث لم يعد يوجد مسكين بحاجة لزكاة، أو إلى معدم بحاجة إلى رغيف خبز، أو مريض بحاجة إلى طبيب ومشفى وأدوية، أو كأنه تم افتتاح مصنع في كل منطقة وحي من أقطار البلاد العربية يعمل فيها كل أبناء الأمة، وكأنه أيضاً تم افتتاح مدارس وجامعات مجانية لكل أبناء الأمة، وأيضاً لم يبق هناك عاطلين عن العمل، فبدأوا بجلب عمال من السند والهند ومن باقي أرجاء العالم!
وبما أن إدارات الشر الأمريكية المتعاقبة في واشنطن، مطمئنة إلى أحجار الشطرنج ومواقعها في بلاد
العرب، فأنها تعرف متى وكيف تغض النظر عن الحريات المقدسة، وحقوق الإنسان هناك، لذلك نراها تصمت على ما تقوم أنظمة الذل والعار تجاه شعوبها، تارة تعتقل هذا أو ذاك بحجة " المساس بأمن الدولة"، وتارة أخرى تدك في السجون مجموعات تطالب بتحقيق العدالة الاجتماعية، أو تطالب بالقيام بتظاهرة واعتصام تضامناً مع أبناء فلسطين، أو للمطالبة بفتح الحدود للتضامن الفعال وإيصال الغذاء والدواء للشعب الفلسطيني، أو.. أو..
ماذا حدث للعرب؟
ماذا حدث للعرب؟.. هل ماتت الشهامة والمروءة؟ أم هل مات العرب ولم يعد لهم وجود؟!. إن الأحوال المأساوية في فلسطين تجعل الحجر ينطق والجبل يبكي، فلماذا لم نعد نتأثر بدموع الثكالى واستغاثات الأرامل واليتامى؟.. لماذا نتصنع العمى والصمم والخرس؟. لماذا أغلقت أبواب التضامن الشعبي العربي مع العراق مثلما كانت أيام حصاره؟!
لن أقول الكثير عن العراق لأن أبطال المقاومة هناك يؤدون دورهم نيابة عن الأمة، ولن أزيد على ذلك سوى أنه يمكن أن نقول وبواقعية، أن الأمة تائهة بسبب ما تعلنه الفضائيات ووكالات الأنباء عن التفجيرات التي يذهب ضحيتها أناس أبرياء، في كل المناطق العراقية، وهذه الأعمال الإجرامية حرمتها ونفتها كل فصائل وقوى المقاومة الوطنية والقومية والإسلامية، في كل بياناتها وعقب كل تفجير إجرامي، ولكن الفضائيات ومعظم إن لم يكن كل الصحف العربية في بلاد العرب مع الأسف لا تنشر تلك البيانات، فيبقى المواطن أسيراً لوسائل الإعلام التي تنقل أقوال وبيانات دمى الاحتلال من أجل تشويه سمعة المقاومة. أما فيما يخص فلسطين وشعبها فأنه لم يشهد التاريخ لا الحديث ولا القديم، جيشاً مسلحاً بأحدث أنواع الأسلحة الفتاكة التي تدمر الحجر وتفني البشر، يحارب شعبا أعزل ويهدم البيوت، ويقوم بإعدام الشباب والرجال، ويدمر سيارات الإسعاف، ويجرف الأرض الزراعية، ويبيد المزروعات، ويقتلع أشجار الزيتون المعمرة والحمضيات التي اشتهرت بها فلسطين، والعالم كله يشهد الجريمة ويصمت صمت القبور!! التي لو حدث شبيهاً أو قريباً لها في أي مكان آخر من العالم، لما شهدنا ذلك الصمت المريب، وكانت الفضائيات ووكالات الأنباء سارعت لتغطية شاملة لها!
ألم يحارَب العراق بحجة ضرب المدنيين من الشيعة والأكراد؟!!..
ألم يُمنع بالقوة من تحليق طائراته في الشمال والجنوب بهذه الحجة؟..
ألم يتدخل الغرب ضد يوغوسلافيا لمنع قتل المدنيين العزل كما قيل حينها حيث تم تمزيق هذا البلد الاتحادي إلى مجموعة دول لا حول لها ولا قوة!!..
ألم يتدخل العالم ضد إندونيسيا ويرغمها على فصل شرق تيمور وإقامة كيان صغير جديد هناك بإشراف ما يسمى بهيئة الأمم المتحدة؟..
ترى لماذا لا يتدخل العرب لحماية الشعب الفلسطيني؟!!
ولماذا لا تمنع الأنظمة العربية طائرات الكيان الغاصب لفلسطين من عبور أجوائها؟!..
ولماذا لم ترسل الأنظمة العربية جيوشها لوضع حد لجيش الاحتلال الصهيوني، على الأقل تلك التي أرسلت جيوشها لمحاربة العراق بقيادة إدارة الشر الأميركية عام 1991 من أجل ما أسموه "تحرير الكويت" كما أعلنوا آنذاك؟!!..
فأين هم اليوم من تحرير فلسطين وإقامة "دولة" على جزء من فلسطين المحتلة بناء ليس لقرار التقسيم بل إلى قرار قمة السوء التي أعلنوا فيها ما أسموه "المبادرة العربية"، أو كما يقولون من أجل تحرير الأراضي التي احتلت عام 1967؟!!..
أقول وأكرر هنا أنه ربما هناك اختلاط أوراق، ووجهات نظر مختلفة حول ما يحدث في العراق، ولكن بالنسبة لفلسطين لا أعتقد أنه توجد أوراق مختلطة، كما أنه لا أعتقد أنه توجد وجهات نظر وأفكار مختلفة حول تحرير فلسطين وحول القدس، وحول المسجد الأقصى، مع ملاحظة أن الفضائيات والصحف والمجلات وكل وسائل الإعلام تبث وتنشر صور لمسجد الصخرة عند الحديث عن المسجد الأقصى، وهو ما يجب أن تنتبه له الأمة العربية لأنهم يضللون الناس بالصور، وأن الخبر أو الحوار أو المقال والتحليل السياسي والتاريخي، حول المسجد الأقصى قد يكون كلاماً صحيحاً ولكن يمكن أن يقال أنه حديث حق يراد باطل، لأنهم يعرضون صور مسجد الصخرة وليس المسجد الأقصى، مع أن المسافة بينهما ليست ببعيدة، فالمسجد الأقصى لون قبته خضراء، ومسجد الصخرة لون قبته ذهبية، وبعودة للحديث عن فلسطين أقول أن الجميع متفقون حولها، فلماذا هذا الإهمال الشعبي بعد التردي الرسمي؟
لقد ظلت الأنظمة العربية تخدع الشعب الفلسطيني لأكثر من خمسين سنة، حتى اكتشفت الجماهير العربية أن تلك الأنظمة لن تحرر فلسطين، بل كانت تعمل في السر على تكريس الكيان الغاصب ليصبح "قطر شقيق"!!.. بحجة "تحقيق السلام القائم على العدل"!!.. ولا زالت تطالعنا وسائل الإعلام العربية حتى اليوم نقلاً عن هذا الرئيس أو ذاك الملك أو الأمير كما عن رجال الدين من الجانبين الإسلامي والمسيحي كلهم يقولون "إن السلام في خطر" دون أن يشير أي منهم إلى السبب الحقيقي الكامن وراء ذلك، وكلهم يعرفون أن دعم إدارات الشر الصهيو-أميركية هي التي تعطى الضوء الأخضر لاستمرار ما يحدث في فلسطين المحتلة!!..
ولو أن رئيس عربي أصيل يمتلك جزءا من الحمية، ومن الكرامة العربية، لأمر بتحريك جيش بلده أو بإعلان حالة الاستنفار على الأقل، أو أمر بفتح حدود بلده للمتطوعين لنصرة قضية فلسطين التي كانت قضية العرب الأولى، دون خوف من نتائج تلك الخطوة التي لن تكون أسوأ مما هو الحال عليه الآن، حتى لو أدى ذلك إلى إعلان حرب، فإن الدول الأوروبية وغيرها ستتسابق لوقف الحرب مما سيؤدي إلى تغيير هذا الواقع المأساوي لشعب فلسطين، وطالما أنه لا يوجد ضوء في نهاية النفق، فأن الصهاينة بقيادة أميركا سيواصلون طريقهم في تهجير الفلسطينيين واستباحة الأرض والعرض!
إلى من يضعون الأوراق كلها في سلة إدارة الشر الأمريكية:
هولاكو القرن الحادي والعشرين "الجمهوري" الأمريكي أعطى الضوء الأخضر لربيبه السفاح الصهيوني لإبادة الشعب الفلسطيني وترحيله من أرضه، وخليفته "الديمقراطي" لازال يدافع عن جرائم الإبادة الصهيونية المنظمة في كافة المحافل الدولية، ويمنع اتخاذ أي قرار في ما يسمى هيئة الأمم المتحدة ومجلسها الأمني، ويمنع تنفيذ أي قرار في أي محفل دولي علناً وعلى مرأى ومسمع العالم كله، حتى وإن كان قراراً غير ملزماً، كما فعل هولاكو "الجمهوري" بقرار محكمة لاهاي الدولية حول "جدار العزل"!. وفي المقابل نجد الأنظمة العربية المتواطئة تلتزم الصمت، وتسعى إلى زيارة البيت الأبيض لأخذ البركة والتعطف لمنحهم بعض المعونات المادية والعسكرية!!.. (المعونات المادية ربما نتفهم أنها ستقيهم العوز، أما العسكرية فلماذا وضد من ستستعمل؟! سوى لحمايتهم من غضب الجماهير.. والحفاظ على عروشهم، وعدم وضع أسمائهم في سجل الدول التي تدعم "الإرهاب"!.. ترى ألم يسمعوا ما أعلنه أكثر من مرة وما صرح به كل عناصر إدارات الشر الأمريكية، بأن الإجرام الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني يعتبره "دفاع شرعي عن النفس"؟!!..
إلى متى سيبقى العرب بحالة انعدام وزن؟
تتوارد الأنباء من فلسطين المحتلة حاملة معها أخبار يومية ومستمرة عن اعتقالات في أرجاء الأراضي الفلسطينية، حيث يقتل الأطفال والنساء والشيوخ والشباب بدم بارد، وتقطع الماء والكهرباء عن المدن والقرى الفلسطينية، وتمنع سيارات الإسعاف من نقل الشهداء أو إسعاف الجرحى، ويتم احتلال المستشفيات، وتدمير وتفجير دور السكن، وتجريف الأراضي الزراعية والسكنية، ومحاصرة أماكن العبادة المقدسة المسيحية والإسلامية، وآخرها تدنيس المسجد الأقصى من قبل المحتلين وعصاباتهم، واعتقال وضرب الشيوخ والنساء والأطفال المعتصمين العزل داخله، وغير ذلك من جرائم الصهاينة التي لم تتوقف منذ عام 1948، إضافة لمنع الإعلاميين من نقل حقيقة جرائمهم.
أنظمة التبعية أعلنت أنهم يرفضون قطع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني، بحجة أن ذلك سيؤدي إلى تفاقم مأساة الفلسطينيين، وكأن هناك وضع مأساوي أسوأ مما هو الحال عليه يمر به شعب فلسطين!!.
وعلى الرغم من المأساة المستمرة لم نجد لا رجال دين مسيحيين ولا رجال دين مسلمين، ولا أية مرجعيات دينية على مختلف مذاهبها وأطيافها، تنادت إلى عقد مؤتمر لكل المراجع الدينية الإسلامية والمسيحية، لمناقشة الخطوات العملية لوقف تلك المجازر في فلسطين المحتلة، وللدفاع عن الأماكن المقدسة ومنها المسجد الأقصى وكنيسة المهد ولا حتى في خطب الجمعة وعظات الأحد!!..
لذلك يمكن القول أنه إذا بقيت الأنظمة العربية على موقفها الراهن، دون أن تتجاوب مع الحالة القتالية الفلسطينية أو مع غضب الشارع العربي، فأن حتمية التطور التاريخي كظاهرة متحركة لن تستثنيها.. وأن الجماهير العربية كلها فقدت إيمانها بكل رجال الدين على مختلف طوائفهم ومذاهبهم، لذلك نجد أي شخص يلبس عمامة هنا أو هناك، ويدعو لصد العدوان وحماية الأماكن المقدسة في فلسطين المحتلة، وإلى مقاومة الصهاينة والأميركان حتى لو بالكلام، فأنه يجد الآلاف المؤلفة من الجماهير تؤيده!..
ورغم ذلك نقول إذا كان لا بد من دور تاريخي لرجال الدين المسلمين والمسيحيين معاً وأقصد المسيحيين الشرقيين الأصليين وليس الصهاينة ومن يتبع ملتهم، عليهم أن ينزلوا إلى الشارع ليقودوا التظاهرات الشعبية في أرجاء البلاد العربية، ويعملون معاً من أجل تنظيم عمل جاد لدعم مقاومة الاحتلال في فلسطين والعراق، كما كان يحدث في بدايات القرن المنصرم في عدد من البلدان العربية؟!.. فهل هم فاعلون؟!..
وفي المقابل نقول أن مؤيدي وأعضاء الأحزاب والتنظيمات غير الدينية في بلاد العرب من المحيط إلى الخليج في تراجع مستمر، لأن الجماهير فقدت ثقتها بهم لأنهم تحولوا إلى تجار كلام مثل المراجع الدينية التي تدعي الإسلام وتنطق باسمه في العراق ومصر ولبنان وبلاد نجد والحجاز من كل الطوائف والمذاهب دون استثناء!.. فمتى تعي القيادات الحزبية السياسية والنقابية والمهنية بمختلف ألوانها وأطيافها أن الأمة بحاجة إلى قيادات جريئة على الباطل دون مواربة، قيادات تقول للسلطان الجائر كلمة حق تعبّر فيها عن ضمير الأمة دون خوف من اعتقال أو اعتداء من أزلام الأنظمة، وعلى القيادات التي شاخت قواها الجسدية والفكرية أن تتجرأ على الاستقالة من مناصبها لتتسلم قيادات شابة، مع العلم أن الأمة ربما لا تطالب علناً بصرف تلك القيادات وإحالتها إلى التقاعد، ولكنها ربما في سرها وفي جلساتها الخاصة تقول ذلك، ورغم ذلك أقول أننا بحاجة إلى خبرة الشيوخ وهمة الشباب، وأن دور القيادات التي شاخت يكمن في العمل على إفساح المجال أمام الشبيبة للوصول إلى المراكز القيادية في هذا الحزب أو ذاك، لأن الشبيبة هي عماد المستقبل، ولكل جيل رأيه وأسلوبه في التعاطي مع القضايا المختلفة التي تصب في نهاية المطاف في خدمة الوطن والأمة، وما أحوجنا إلى تحقيق ذلك في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ العرب؟ بدلاً من خسارة الشبيبة التي ترك الكثير منها هذا الحزب أو التنظيم النقابي والمهني، وقسم من تلك الشبيبة انزلق في متاهات اللهو والمخدرات، والهروب إلى "سوبر ستار" "والأخ الأكبر" وغير ذلك من برامج الفضائيات الصهيو-أمريكية الناطقة بالعربية التي غزت الأفكار وفككت العوائل تحقيقاً لأمركة العالم؟!.
فإلى متى سيبقى العرب بحالة انعدام وزن؟ وإلى متى ستبقى القوى والتنظيمات والأحزاب العربية محشورة بين مطرقة الحكومات العربية وسندان شارع الغضب العربي؟!.
26/10/2009