هاني الفردان
في الثالث من مايو/ أيار 2011 عقد وزير العدل والشئون الإسلامية والأوقاف، ووزيرة التنمية الاجتماعية القائم بأعمال وزير الصحة (في ذلك الوقت) مؤتمراً صحافياً في هيئة شئون الإعلام لتسليط الضوء على قضية الكوادر الطبية.
ذلك اليوم لن ينساه الناس، إذ استمعوا فيه من الوزيرين لرواية أقرب إلى الفنتازيا، إذ تحدث الوزيران، وأكدا بحسب ما نقلته وكالة أنباء البحرين (بنا) بـ «الدليل القاطع»، متجاوزين في ذلك القول القانوني والدستوري «المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية»، عن «قيام عدد من الأطباء والممرضين والمسعفين والإداريين بمستشفى السلمانية «وهو المستشفى العام الرئيس في مملكة البحرين وضمن الأكبر على مستوى الشرق الأوسط» بالهيمنة والسيطرة على المستشفى تماماً بكل مقوماته المادية والبشرية وتحويله إلى سجن يُقاد إليه المُختَطَفون ويُحتجزون فيه، مؤكدين – بحسب قولهما – ما ثبت لديهما «بالدليل القاطع استخدامه في أنشطة العناصر المخربة الداعية إلى إشاعة الفوضى وإحداث القلاقل والاضطرابات وإثارة الفتن في البلاد».
وزير العدل في ذلك اليوم وفي إطار ما تم التصريح به للنشر من قبل النائب العام العسكري، عدّد التهم الموجهة للكادر الطبي وهي: الامتناع بغير عذر عن إغاثة الناس، اختلاس أموال عامة، والاعتداء على سلامة جسم الغير، والاعتداء المفضي إلى الموت، وحيازة أسلحة وذخائر بغير ترخيص، والامتناع عن أداء أعمال الوظيفة بقصد عرقلة سيرها بما كان من شأنه جعل حياة الناس وصحتهم في خطر، وحجز الحرية بغير وجه قانوني، واستعمال السلطة في وقف وتعطيل تنفيذ أحكام القوانين واللوائح، ومحاولة احتلال مبنى عام بالقوة، والترويج لقلب وتغيير النظام السياسي في الدولة بوسائل غير مشروعة، والتحريض على كراهية نظام الحكم، وعلى بغض طائفة من الناس، وإذاعة أخبار كاذبة وشائعات مغرضة من شأنها الإضرار بالمصلحة العامة، والاشتراك في مسيرات غير مرخصة وتجمهرات.
ربما كانت أكثر التهم جدلاً، تلك المتعلقة باحتلال السلمانية وحيازة أسلحة نارية، وفاة أشخاص بسبب تعمد الإصابات فيهم. وقد أورد الوزير اسمين لقتيلين وهما: علي أحمد عبدالله، وعبدالرضا محمد حسن، من خلال توسيع جروحهما، وإحداث إصابات إضافية عمداً ببعض المصابين بقصد استظهار جسامة إصابتهم على خلاف الحقيقة، ثم تصويرهم بعد ذلك ونشر صورهم بغرض الإساءة إلى سمعة مملكة البحرين.
السلمانية تحوّل إلى مخزن للأسلحة النارية والذخيرة، عنوان ثانوي أوردته «بنا» ذلك اليوم، إذ نقلت عن المؤتمر الصحافي للوزيرين قولهما: «تبين أيضاً استعمال المستشفى في تخزين الأسلحة، إذ تم العثور لدى تفتيش المستشفى على إثر إنهاء احتلاله، على عدد من الأسلحة النارية والذخيرة، كما تم ضبط كميات من الأسلحة البيضاء (سيوف وسكاكين) وعبوات قابلة للاشتعال (مولوتوف).
ما ذكرته هو لتذكير الرأي العام وتنشيط الذاكرة الجماعية، وللمقارنة ومعرفة الحقيقة. ما ذكرته بالأعلى كلام لوزيرين في الدولة في مؤتمر صحافي بث على التلفزيون الرسمي ووزع في كل مكان، وليس رواية ولا قصة خيالية، بل حقيقة سيسجلها التاريخ.
محكمة الاستئناف العليا أصدرت الخميس (14 يونيو/ حزيران 2012) حكمها في قضية الـ 20 كادراً طبياً، ببراءة 18 مستأنفاً من الكادر الطبي من تهم احتلال مجمع السلمانية الطبي وحيازة الأسلحة والتسبب في وفاة جرحى، فيما لم يستأنف الحكم متهمان هاربان حكما بالسجن 15 عاماً.
السؤال الآن، من أين جاءت تلك الأسلحة التي تم استعراضها في محكمة السلامة الوطنية، والتي تحدث عنها شهود الإثبات، فقد قال الشاهد الأول – ضابط تحري – في العشرين من يونيو/ حزيران 2011 «إن المدعو علي العكري أمر بنقل الأسلحة البيضاء بسيارة إسعاف ونقلها إلى دوار مجلس التعاون سابقاً، وإنه أثناء معاينة المستشفى تم ضبط أسلحة بيضاء، إضافة إلى أسلحة نارية عبارة عن رشاشين كلاشينكوف ومجموعة من الذخيرة كانت موجودة بأروقة المستشفى».
وهناك شهود آخرون منهم أطباء ومسئولون في وزارة الصحة وأطباء أقسموا أمام المحكمة بقول الحقيقة، إلا أنهم زيفوا الحقيقة وضللوا القضاء بشأن اتهامات الاحتلال وتوسيع الجروح.
من الواضح أن محكمة السلامة الوطنية استمعت لشهود يجب محاكمتهم علانية، وأن هناك أسلحة عرضت أمام المحكمة، فمن أين جاءت؟ ولماذا؟ فهل كانت لحبك مسرحية قضائية لم تستطع الصمود أمام الرأي العام العالمي، ولمصلحة من كان كل ذلك؟
تنص المادة (41) من مرسوم بقانون رقم (26) لسنة 1986 بشأن الإجراءات الشرعية – الفصل الرابع – على «(…) وعلى المحكمة أن تحيل قضية شهادة الزور إلى الادعاء العام».
هذه القضية شهدت خلافاً للتعذيب الذي وقع على الكادر الطبي وأثبته تقرير تقصي الحقائق، كذب، وتلفيق، وتزوير، وافتراء، وتضليل من بعض المسئولين الرسميين ومن ضباط وشهود.
هذه القضية تضع السلطة الآن في ورطة حقيقية، فملف القضية لن يغلق، والحقوق لن تضيع، والكل الآن يطالب بمعرفة الحقيقة، ومحاسبة المعذبين والكذابين والملفقين، حتى الموالون كثر سؤالهم بعد حكم محكمة الاستئناف العليا «هل خدعنا بمسرحية؟».