بقلم: عشتار العراقية (في حالة ثورة)
اعترف أن العنوان مراوغ ومستفز. وهو استرجاع لمقولة المتثاقفين العراقيين والعرب الذين وقعوا في مأزق حين أصبح غزو العراق قاب قوسين. انتشرت حينها تصريحاتهم (أنا ضد الدكتاتورية وضد الاحتلال) ومعنى هذا الكلام هو بالضبط "سأقف موقفا سلبيا حتى تنتهي الأمور" أو "الدكتاتور عدوي والاحتلال عدوي وسوف اترك هذا يقضي على ذاك". وهو في كل الأحوال موقف يساند الغزاة والمحتلين طالما انهم هم الأقوى ومن الواضح كيف ستؤول الأمور لو قرروا شن حرب على بلد ضعيف محاصر من العالم الثالث. هذا هو موقف المتثاقفين العرب المخزي سابقا ولاحقا.
إنهم ينسون اسماء بلدانهم ويحذفونها من المعادلة ويرمزون لها بأسماء حكامها، مناقضين بهذا كل طروحاتهم الانتهازية. الغرب الاستعماري يعرف هذه الخصلة البائسة في نفوس هؤلاء المتثاقفين، فهو في بروباغندا حروبه العدوانية لايقول انه ذاهب لتدمير العراق او ليبيا او سوريا من اجل النفط والهيمنة واسرائيل وانما هو يستهدف الشيطان صدام حسين والشيطان القذافي والشيطان بشار الأسد.
وفي النهاية وفي واقع الحال يقف المتثاقفون في خندق الاحتلال، لأن شعارهم لم يكن (أنا مع وطني ضد الاحتلال).
**
اليوم تعاد الكرّة مع سوريا. يقولون لك (انا ضد الدكتاتورية وضد التدخل الأجنبي)، ممهدين الطريق لأن يقنعهم دعاة التدخل قائلين "ونحن معكم ولكننا لن نستطيع ازاحة الدكتاتورية وحدنا والتدخل الأجنبي قادم لمساعدتنا في هذا الغرض فقط، إنه تدخل انساني." كما كان التدخل انسانيا في العراق وفي ليبيا. والغاية تبرر الوسيلة. اذا لم يكن للحكام الشياطين جرائم فظيعة تبرر التدخل الدولي (الإنساني) فلابد ان نصنع لهم اكثر من مجزرة ومذبحة وقبور جماعية بالصور الكاذبة او بالبيارق المزيفة.
ولكن اضافة الى هذا الاصطفاف المشين الى جانب الغزاة بدعاوى كاذبة، نجد ، بعد العراق، اصطفافا آخر لم أكن أراه حتى في أسوأ كوابيسي. الاصطفاف الطائفي الذي يقف في خنادقه افراد وجماعات واحزاب كنا نظنهم كما يصفون انفسهم "علمانيين ، تقدميين، قوميين، عروبيين ، وطنيين، لا طافئيين الخ" فهم مع التدخل الأجنبي في سوريا لأن الدكتاتور فيها (علوي) يضطهد أغلبية (سنية)، والأفظع انه يتحالف مع ايران عدوتنا الطائفية. ولهذا من واجبنا ان نصطف مع أمريكا واسرائيل، لأنهما لايحبان الآن الشيعة (سوريا) ، وقبلها كانا لايحبان السنة (العراق)، وعلينا أن نقف مع حكام الخليج خدام الأجنبي، وقوى الرجعية العربية، الذين دمروا العراق وليبيا ويدمرون الآن سوريا، لمجرد أنهم (سنة). متناسين أن الأحزاب الشيعية التي تعاونت مع الاحتلال ضد العراق بكل اشكال التعاون الفاجر، كانت دعاواهم هي ذاتها: ان الدكتاتور صدام حسين كان (سنيا) يضطهد أغلبية (شيعية). وقد جهد معظم الكتاب الذين أعرفهم ، من البعثيين مثلا، وغيرهم ايضا، على نفي هذه التهمة، وكتب الكثيرون : قولوا عن صدام حسين اي شيء ولكنه لم يكن طائفيا. هؤلاء انفسهم يصطفون الآن اصطفافا طائفيا في خنادق مذاهبهم. وكأنهم يريدون ان يدخلوا التاريخ في أواخر حياتهم بصفة (المقاتل من اجل إعلاء المذهب).
حسنا ايها السادة، لن اقاتل في سبيل أية هوية غير عراقيتي. ولن انتمي الى أي مذهب سوى انسانيتي. وبهذا استطيع ان احافظ على موقفي نقيا من هذا الخلط والتشوش. استطيع أن احدد اعدائي دون أن اتنقل بين الطوائف والخنادق. إذا كان الخيار بين (الدكتاتورية والناتو) فلن اقول اني ضدهما معا، بل أنا مع وطني ظالما أو مظلوما ضد الناتو، لأنه ببساطة: الاحتلال اخطر من الدكتاتورية. واذا كان الحاكم مستبدا، فهذا لأننا سمحنا له بذلك، والخطأ لا يصحح بخطأ أشنع، بأن نسمح لقوى أجنبية معادية وليست صديقة أبدا على كل المستويات لأنها معادية للانسانية اصلا، بدءا بشعوبها، أن تأتي لتقتل وتدمر.
كم احترم هذا الأمريكي الذي كتب تحت اسم LardOfTheRings على تويتر قائلا "مهما كنت احتقر واخالف سياستنا الخارجية والحروب والاكاذيب ، لن ادعو اجنبيا لقصف بلادي، ليس مثل العرب."
أما اذا كان الخيار الذي تقدمونه لي "مع السنة اومع الشيعة؟" سأقول لكم : ليذهب الى الجحيم من يسمي نفسه سنيا او شيعيا. فهي توصيفات طارئة على اللغة والدين، استخدمها المحتلين لتدميركم بأيديكم.بعد ان أنجزوا احتلال عقولكم.