عبدالنبي العكري
كشف الرئيس الأميركي باراك أوباما عن كامل ثروته ومداخيله، فتبيّن أنه استلم راتباً شهرياً قدره 125 ألف دولار، يدفع منه 18 في المئة كضرائب، مثله مثل أي مواطن أميركي، ويتبرع بـ 25 في المئة للأعمال الخيرية.
كما أن أوباما يمتلك شقةً مؤجّرةً في شيكاغو بولاية ايلينوي، والتي كان يمثلها في مجلس الشيوخ قبل أن يصبح رئيساً في العام 2007. وتبين أنه يستثمر ما يوفّره في سندات الخزينة الأميركية. كما تبين أن مجموع ممتلكات أوباما بما فيها شقته في شيكاغو، بحدود 4.5 ملايين دولار، هي ثروة أقوى رئيس لأكبر دولة في العالم.
الرئيس الأميركي ليس مجبراً على كشف ثروته بالكامل، لكن أي مواطن أميركي يستطيع الحصول على هذه المعلومات بموجب التعديل الأول للدستور الأميركي، (بشأن) حرية الوصول للمعلومات، كما أن المعلومات حول راتب الرئيس، موجودةٌ على صفحة البيت الأبيض.
قبل الرئيس أوباما، وفي سابقةٍ تاريخيةٍ، كشف الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند عن كامل ثروته، فتبيّن أنه يملك فيلا في مسقط رأسه وشقة في باريس، وحسابين بنكيين، ومجموع ما تكوّنه ثروة الرئيس الفرنسي لا تتجاوز 4 ملايين يورو. كما أن رئيس الوزراء الفرنسي والوزراء الفرنسيين تبعوا مثال رئيسهم وكشفوا عن كامل ثرواتهم ودخولهم. هذا هو التوجه العام في الدول الديمقراطية، فلم يعد يكفي أن يكون السياسي لامعاً وشعبياً ويحظى بثقة حزبه والجمهور، بل لابد أن يكون نزيهاً وشفافاً، لأن المال هو المفسد الأول للسياسة.
السياسيون الغربيون ليسوا ملائكةً، ومنهم فاسدون ومرتشون، وكثيراً ما تتم رشوتهم من دول العالم الثالث من جانب الحكام الاستبداديين الذين يسعون باستخدام الرشوة إلى عقد صفقات ضخمة، خصوصاً صفقات التسلح ليحصلوا من خلالها على عمولات أسطورية، كما ثبت أن العديد من الدول العربية النفطية في مقدمة من يقدّم الرشوات ويمول الحملات الانتخابية للسياسيين الغربيين خصوصاً الرؤساء الذين يتجاوبون مع سياساتهم.
وتبين أن أسوأ السياسيين الغربيين مثل الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي، ورئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو برلسكوني، حصلوا على تمويل لحملاتهم الانتخابية من المقبور معمر القذافي. لكنهم في الغرب والدول الديمقراطية الحقيقية الأخرى، بما لديهم من مؤسسات دولة حقيقية وقوانين صارمة ونافذة، ورأي عام مؤثر، فإنهم إذا ما اكتشفوا وجود شبهة فساد لأي من السياسيين، فإنهم لا يترددون عن ملاحقتهم قضائياً وإجبارهم على اعتزال السياسة. فها هو برلسكوني وقد حكم عليه بالسجن ست سنوات في قضية دعارة واستغلال نفوذ، وها هو ساركوزي يُجرجَر في أروقة المحاكم لتلقيه تبرعاً غير مشروع من مالكة شركة لوريال لمنتجات التجميل، وتستطيع سوق العشرات من الأمثلة. هذا عندهم فما هو عندنا؟
زعماء دولنا العربية الغنية منها والفقيرة، في مقدمة بليونيرات العالم على قائمة مجلة «فوربس» المتخصصة بالثروات، حتى اليمن وموريتانيا الفقيرتين وشعبهما الجائع، راكم رؤساؤها وزعماؤها وسياسيوها الملايين، أما زعماء الدول النفطية فحدّث ولا حرج. وعلى حد قول الشيخ جمال الدين الأفغاني في تشريحه لدافعهم في الغرب وواقعنا في الشرق: «لقد وجدت في الغرب إسلاماً بدون مسلمين ووجدت في الشرق مسلمين بدون إسلام». وبالفعل فإن القيم النبيلة التي جاء بها الإسلام والديانات السماوية مثل المسيحية التي ظهرت في ديارنا، قد أضحت في النسيان، وبالمقابل فقد تبناها الغرب.
بل الأنكى من ذلك أن ثقافة الفساد والاستيلاء على المال العام واستغلال النفوذ، ومحاباة الأقارب والخلان، وتسخير الدولة وثرواتها وأموالها للمصالح الشخصية والفئوية، أضحت ثقافة وممارسة اعتيادية، ومدعاةً للتفاخر وليس الخجل. وأصبحنا نطلق على الرشوة إكرامية، والسرقة شطارة، والمحاباة بمثابة «الأقربون أولى بالمعروف».
من هنا فإن أغنى الأمم الأمة العربية، أضحت أكثر الأمم تخلفاً وفقراً وبطالةً، ثرواتها منهوبة، وأراضيها مسروقة، وشعوبها مفقرة. الفساد ينخر في جسد الأمة من المحيط إلى الخليج.
إنه فقط، وبعد سقوط النظام بانقلاب أو ثورة، كما حدث في البلدان العربية الأربع، تونس وليبيا ومصر واليمن، تم الكشف عن الفساد المستشري والأموال المنهوبة من قبل قادة هذه الأنظمة وشركائهم.
لقد أضحى الفساد ثقافةً، والفاسدون محظوظين لأنهم في موقع القيادة بحيث لا بأس من الحديث من وقت لآخر في الصحافة والبرلمان واللقاءات عن الفساد، ولكن دون التطرق إلى الفاسدين. وحتى تقارير دواوين الرقابة تتحدث عن فساد دون فاسدين.