عبدالنبي العكري
بموجب الفلسفة الوجودية التي ابتدعها الفلاسفة نيتشه وهيدجر وجان بول سارتر، فإنها تعتمد أساساً على الإحساس، فأنت حرٌّ مثل طائر السنونو حتى ولو كنت في زنزانة ظلماء تحت الأرض.
وبالفعل هذا ما يدعونا إليه وزير حقوق الإنسان في البحرين صلاح علي وغيره من كبار المسئولين والمنظرين والحواريين. فليس مهماً معاناتك، وليس مهماً معايشتك، ومعاناة أو معايشة أهلك وأصدقائك ومن حولك من عذابات وآلام، المهم هو ما تشعر به في حالة نشوة!
ليس مهماً الواقع المهين لانتهاكات حقوق الإنسان من قتل وتعذيب وتشريد وحصار، فهذه كلها يمكن التسامي عليها، والشعور الوجداني بالحبور والسعادة والرضا. أنت تعيش في دلمون جنة حقوق الإنسان، دون أن تقدّر النعمة حق قدرها.
الوزير يؤكّد لنا أنه تم إنجاز 126 توصية كلية من التوصيات الـ 158 لمجلس حقوق الإنسان في المراجعة الدورية لمجلس حقوق الإنسان لسجل مملكة البحرين في مجال حقوق الإنسان خلال عام فقط، أي من سبتمبر/ أيلول 2012 حتى سبتمبر 2013، في حين كان أمامها أربع سنوات لتنفيذها، أي حتى حلول المراجعة الدورية الثانية في سبتمبر 2016. كما أنها نفّذت 95 في المئة من توصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق (لجنة بسيوني)، أما أنك أيها السجين أو الجريح أو المكلوم بفقد شهيد أو المهجّر في أقاصي الأرض، فإنك إن لم تكن تدرك ذلك فهذه مشكلتك!
حلّق في الفضاء وأطلق العنان لخيالك، وستجد أن الواقع عكس ما تعيشه البحرين جنة حقوق الإنسان. ولذا تسابقت دول الجامعة العربية لاختيار البحرين مقراً للمحكمة العربية لحقوق الإنسان، تقديراً لإنجازاتها في مجال احترام حقوق الإنسان، وفي القضاء العادل بالتحديد. لا يهم أن يُحكم طفلٌ بالسجن سبع سنوات لمشاركته في مظاهرة غير مرخصة، والحكم على شرطي متهم بالقتل، بالسجن 6 أشهر فقط، فهذه الحكمة لا تدركها أنت، لكن كبار فقهاء القانون العرب أدركوها، ولذلك كرّموا البحرين باستضافة المحكمة العربية لحقوق الإنسان، والتي ستبسط العدالة الناجزة على امتداد الأرض العربية من مراكش إلى البحرين، ولن يبقى مواطن عربي أو مقيم بأرض العرب لا ينال حقه، ويتندر العالم على محكمة العدل الأوروبية في ستراسبورج.
نحن ماضون إذاً في طريق الإصلاحات في كل مجال، وفي مقدمته حقوق الإنسان حيث أنجزت البنية التشريعية الشاملة من قوانين ولوائح تتعلق بجميع جوانب حقوق الإنسان السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والصحية والرياضية والفنية والمسرحية… إلخ، لجميع الفئات، رجالاً ونساء، شيوخاً وأطفالاً، أصحاء ومرضى وذوي احتياجات خاصة. كما أنها أكملت إقامة جميع المؤسسات والبني المطلوبة من وزارة حقوق الإنسان والمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان والهيئة المستقلة للرقابة على السجون والمفتش العام لحقوق الإنسان والوحدة الخاصة للتحقيق في دعاوى التعذيب، ووحدة تلقّي الشكاوى بوزارة الداخلية ولجنة حقوق الإنسان بمجلس الشورى، ولجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، واللجنة الوزارية لحقوق الإنسان… وهناك المزيد على الطريق، بالإضافة إلى إقامة خط ساخن مجاني لتلقي الشكاوى من أيٍّ كان بسرية تامة، ومتابعة حثيثة حسب مبدأ «شبيك لبيك… مارد الحقوق بين يديك»، كأنه الجني الذي يخرج لمجرد فرك مصباح علاء الدين.
أنت في دلمون جنة حقوق الإنسان على الأرض ولو كره الكارهون.