عبدالنبي العكري
«أنتم شعب طيب حتى السذاجة»… هكذا فاجأني صديقي الباحث الأوروبي والخبير بشئوننا.
وقبل أن أفيق من الصدمة أضاف من الشعر بيتاً «وأنتم تكرّرون أخطاءكم، وكل مرة بطريقةٍ أفدح من السابقة».
وأجهز بالثالثة قائلاً: «وأنتم لا تعيشون الحاضر وتتحسرون على الماضي الجميل».
كان ذلك كافياً لإشعال مناقشة حامية بيننا، وقد تدفقت الدماء الحارة في عروقي، بينما ظلّ صديقي ممسكاً بأعصابه الباردة. قلت له: كيف؟
قال لي: «ألستم دائماً تتفاخرون بأنكم شعب طيب، ويصفح عن من ارتكب الجرائم بحقه، لمجرد تطييب الخواطر؟ ألستم تنسون دروسكم المؤلمة لمجرد وعود معلقة في الهواء؟ ألستم تحنّون دائماً إلى الماضي حيث كانت السواحل على امتداد البصر والبحر مفتوح أمامكم، والنخيل تظللكم، والأراضي فسيحة من حولكم؟ لكنكم لا تسألون أنفسكم لمن ذهبت سواحلكم ومن استولى عليها ليحرمكم من البحر الفسيح. وكيف تمت مصادرة أراضيكم الفسيحة، ومن الذي أجهز على نخيلكم الباسقات وحوّلها إلى عمارات الأسمنت الصماء؟ وكيف تم تجفيف عيون مياهكم وأوقف تدفق الماء في سيبانها وقتل الأسماك في رقراقها؟
تتحسرون على أيام زمان حيث كان أهالي المحرق يصفون في شاطئ اليابور (كرباباد حالياً) أيام كنتم تتزاورون بل وتتزاوجون. يوم كانت فرق الأفراح من المحرق تزفّ عرسان القرى. يوم كانت أيام محرّم تجمع أهل البحرين دون مذاهب، وتُنذر النذور بأسماء أصحاب الطف. يوم كنتم متجاورين في صفوف الدراسة، وفي الملاعب والنوادي، وفي الأحزاب والشلل؟
تتغنّون بأيام الهيئة وأمجادها، وبرجالاتها الذين أنكروا مذاهبهم وأعلوا شأن الوطنية والهوية البحرينية.
ذهلت لمعرفته الدقيقة بأحوالنا. وواصل حديثه المتدفق: لكنكم لا تسألون أنفسكم كيف ومن أوصلكم إلى هذا الحال، حيث كل قرية أو مدينة خط أحمر على الآخر الغريب. وحيث يتم وصم بعضكم البعض بأبشع النعوت كالعمالة والخيانة، والرافضة، والصفوية والوهابية. حلّت القطيعة بينكم مكان التواصل والتراحم، وأصبحتهم تثقون بالغريب وترتابون من الشقيق.
قربتم الأجنبي وأبعدتم ابن جلدتكم، ومكّنتم الطارئين على بعضكم البعض. خيراتكم تذهب لغيركم وأنتم تستجدون صدقات الجوار… ماذا دهاكم؟