يعقوب سيادي
معذرةً من بعض الاخوة الذين هم مستَعبَدون، بسلطة أو بجماعة أو بفكرة أو بدين أو بمذهب، أو بمصالح شخصية أو فئوية، فإننا ندعو لهم ونبذل قصارى جهدنا صادقين، أن يعوا أنهم كقواعد في المجتمع، أهم بكثير من السلطات والقيادات، سواء الساسة أو الأفراد أو رجال الدين، وسَعْيُنا أن يدركوا أنهم المشار إليهم بالشعب، في الدساتير الديمقراطية، نصاً في مادة «السيادة للشعب مصدر السلطات جميعاً..»، فما لم يتحرر الإنسان من عبوديته لأي مخلوق كان، ليستوي ويتبَيَّن ويتبنى الحق، بما يجعل منه سوياً مساوياً لغيره في الحقوق والواجبات الأساسية، في الأخذ والعطاء، وما لم يتحرر من عبوديته لأي فكرة كانت، بالجمود وأغلال الفكر، بما لا يجعل منه إلا وعاءً أصم، يملأه الغير بما شاء من أفكار، فإنه يخرج بذلك من معادلة التكوين الشعبي صاحب السيادة والإرادة في أن يكون مصدراً للسلطات، سواء بالإنتخاب أو المحاسبة، بالوعي الحر المتمكن من استقاء المعلومة من مصادرها المختلفة، وغربلتها بميزان العقل والحق والإنسانية.
وليس بإنسان ولا مكتمل المواطنة، ذاك الذي يرى بأم عينيه، وقوع الظلم على أخيه المواطن ولا يأبه له، بدعوى اختلاف الدين أو المذهب، أو لأي فكرة تفريق كانت. وهو أيضاً بذات السوء، من رقص لحقٍّ ناله مقابل حرمان الآخر منه بالتمييز، فالإنسانية في الحق الإنساني أولاً، والمواطنة في الحق المواطني ثانياً، هما الصفتان الملازمتان لكل من عاش وأقام ووفد إلى البلاد، فلا ظالم ولا مظلوم.
فلننظر بعين هذه العدالة الحرة الواعية، ونسبر غور الأحداث، لنرى ما العلاقة بين الواقعتين في التالي:
الواقعة الأولى: تصريح المفوض السامي لحقوق الإنسان حول البحرين، وخصوصاً النص الذي ورد على لسانه بشأن الحوار بين الحكومة والمعارضة، هكذا حدّد الأطراف دون مواربة، فقد قال «إن الحل الدائم لعدم الاستقرار الذي يسود البحرين، ليس (لا يكون) من خلال الاعتماد فقط على وسائل أمنية أو إجراءات قمعية، تستهدف إسكات أصوات الاحتجاج، ولكنه بحاجةٍ إلى حوار حقيقي ما بين الحكومة والمعارضة دون شروط مسبقة». والمفوض السامي لا يغيب عن علمه نظام الحكم، فليس للشعب من خيار لتولية حكومة من اختياره، وليس له أن يحاسبها أو يقيلها. والمفوض السامي لا يغيب عن علمه، من تكون المعارضة، فليست هي جمعيات «ائتلاف الفاتح» ولا تفريخاتها من صحوة وشباب، فالمعارضة هي تلك الجموع التي نادت بالملكية الدستورية الحقيقية، في دوار اللؤلؤة، والتي تم التصدّي لها بالقوة. وهي تلك المعارضة التي ملأ أفرادها سجون القهر ومازالت، وهي من سلب أملاكها الخاصة المعتدون المسكوت عنهم، وبرصد من كاميرات المراقبة، وتكرّرت مراراً وتكراراً، دون عقاب. والمعارضة هي من تصدت لها السلطات بالفصل من الأعمال والتمييز في التعليم والبعثات والتوظيف.
والمعارضة ليست هي من يفلت من العقاب، على جرائم التحريض الطائفي، وحمل السلاح الناري والأبيض في الشوارع، وتشكيل المليشيات شاهراً ظاهراً، بما كاد يشق المجتمع لولا وعي ووطنية المعارضة.
الواقعة الثانية: بعدها بأيام فقط، تعلن وزارة الداخلية عن إحباط مخطط إرهابي، أهم ما فيه اتهام إيران والعراق وحزب الله وأفراد شيعة من البحرين، وتبث صور المتهمين ممن هم ليسوا محكومين بعد، في تجاوز للقانون الدولي للمحاكمات العادلة، على التلفزيون مع الأسماء ومناطق السكن، وتبث اعترافاتهم، مبتسرة في حكاية جداً قصيرة، يبدأ روايتها الأول… ليكملها الثاني وهكذا.
ونحن نعتقد، أنه بهذا البيان، ترد السلطات على الفقرة التالية من بيان المفوض السامي حول البحرين، «ومن أجل خلق بيئة مناسبة، (للحوار بين الحكومة والمعارضة) فعلى جميع الأطراف أن تمارس أقصى درجات ضبط النفس وتجنب الإثارة»؛ في محاولةٍ للي عنق الضرورة البديهية حسب القانون الدولي، التي أعلنها المفوض السامي، بالتبلّي على المعارضة ووصمها بالتآمر مع أطراف خارجية رصدتها السلطات في خانة الأعداء، وقد بينها المفوض السامي بعبارته «إن الطريق لمثل هذا الحل (الحوار بين الحكومة والمعارضة)، وارد بوضوح في توصيات المراجعة الدولية الشاملة لحقوق الإنسان في جنيف (الخاصة بالبحرين)، وتوصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق».
الواقعة الثالثة: تتقدم إدارة الأوقاف الجعفرية (إدارة من إدارات وزارة العدل والشئون الإسلامية، فرئيسها معين خارج إرادة شيوخ دين الطائفة المعتبرين) إلى الحكومة بطلب ترتيب تواجد أمني عند مساجد الشيعة، لحمايتها والمصلين من هجمات محتملة لـ «داعش» على غرار تفجيرات مساجد الدالوة بالإحساء والقديح بالدمام، لتستجيب السلطات بترتيب عربة أو عربتي أمن، واثنين أو ثلاثة من رجال الأمن، أو من كوادر شرطة المجتمع، عند كل مسجد. هكذا ترى السلطات خطورة تهديدات الدواعش (في حال صحة صدورها عنهم، وفي حال عدم سيطرة الأمن على عناصرها في البحرين).
كنا سنسعد بكل تدابير السلطات مهما كانت بسيطة، لو وجدناها حاسبت مثيري الفتنة الطائفية والمناطقية، وحاكمتهم بمفهوم المسّ بوحدة الوطن والسلامة الوطنية، وهم مكتوبة أسماؤهم في لحاهم، وبما تفوّهت به ألسنتهم، ولو وجدنا جديتها في محاسبة مطلقي النار التي قتلت المواطنين، بتجاوز القانون، وبتصرفات فردية كما هو الإدعاء، ولو وجدنا تنفيذاً للتعهدات بإعادة المفصولين من أعمالهم على خلفية أحداث فبراير 2011، بسلاسة يفترضها الحق الخاص والعام المنصوص عليه في الدستور والقوانين، ولو وجدناها تصدت من بعد أول اعتداءٍ على أسواق 24 ساعة، وعاقبت المعتدين والمتجاوزين للقانون، بما منع تكرار الاعتداءات عشرات المرات.