تركت زيارة أوباما للعراق نتائج كارثية على حملة ماكين الانتخابية، فالمرشح الجمهوري المتخبط يتحدث عن البقاء بمعدلات زمنية في العراق، أبشع بكثير من الاحتلال فهو يتحدث عن مدة 100 عام إلا أن مايحدث على ارض الواقع يشير أن أنصار السلام أحرزوا نصراً جديدا على أنصار الحرب، وأن رجالاً أكثر حكمة من المسؤلين الأمريكان أدركوا حقيقة أن الأسعار المرتفعة للنفط التي هزت الاقتصاد الأمريكي الذي يعاني أصلاً من ضعف ناهيك عن الفوضى في نظام الإقراض واذا ما أضيف لكل ذلك الحرب على إيران ستكون الضربة القاضية.
و ماكين، الذي يتخلف عن أوباما بعدة نقاط، ولا يجد له آذان صاغية حتى من النزر القليل من الإعلاميين فهو يتهم خصمه أوباما بأنه السبب في زيادة أسعار البترول وإفلاس الأمريكيين كما يتمتم ويوقع باللائمة على البيت الأبيض الذي لم يفعل أي شئ لتعكير صفو رحلة أوباما للعراق أو حتى السخرية من الانسجام المصطنع بين المرشح الديمقراطي ورئيس حكومة الاحتلال المالكي في ما يتعلق بجدولة الانسحاب الأمريكي من العراق في وقت تركت فيه إشكاليات تدني شعبية الرئيس بوش بضلالها ألسلبيه على المرشح الجمهوري بشكل غير مسبوق في القرن الحالي.
وبوش الذي شبع توصيفات ونعوت بأنه أسوأ رئيس لأمريكا في العصر الحديث، وبالطبع هذا الإرث الثقيل لا يوفر للجمهوريين حظوظاً واعدة في الانتخابات المقبلة والتي يبدو أن الديمقراطيين سيكتسحونها وسيترك الجمهوريون في العراء لفترة زمنية ربما تتجاوز العقد.
اثر حماقتين باهظتي التكلفة، خاضتهما الولايات المتحدة الأميركية باحتلالها العراق وأفغانستان، والتي لاتمتلك حتى الآن أي خطه للفوز بأي منهما وسط تصاعد موجة العمليات ألعسكريه في العراق وفي أفغانستان، مقترنة بسيادة شعور عام في أوساط كبار القادة الأميركيين في كلا الحزبين، بضرورة الإسراع في إعادة نشر الجزء الأكبر من موارد وجنود في أفغانستان بدلاً من العراق ..
إن الاحتلال الأمريكي لحد ألان عاجز تماما عن اكتساب الشرعية السياسية الداخلية، ولن يكون قادراً على اكتساب التأييد الشعبي من قبل الغالبية الساحقة من المواطنين كما انه لايمتلك القدرة المستمرة على توفير خدمات الأمن العام وغيرها من الخدمات الأخرى الأساسية لكافة المواطنين في جميع أنحاء البلاد عدا عن فشله في حل النزاعات القائمة بين المجاميع التي فرضها الأمريكان على الشعب العراقي والتي ارتبطت مصيريا بالاحتلال الأمريكي .
إن أكثر ما يخشاه القادة الأمريكان هو تكرار ذات السيناريو الذي حدث في فيتنام حيث كانت الولايات المتحدة قد أعلنت النصر، بينما اضطرت عملياً للانسحاب العسكري المهين تحت طرق أصوات الرصاص بعدما عاثت قواتها ومن أطلقت أيديهم لارتكاب أبشع الجرائم الوحشية بحق المواطنين هناك مثلما يحدث ألان في العراق وأفغانستان من قبل عملاء الاحتلال فيهما . لقد سمعنا خلال الفترات ألماضيه أصوات امريكيه تنادي بزج الأمم المتحدة لتحقيق ما عجزت عنه الاداره الامريكيه في العراق و أفغانستان رغم كثرة العيوب والنقائص في دورها، فبعض المسؤلين الأمريكيين يرون إمكانية استغلال الأمم المتحدة لأنها حسب اعتقادهم تتسم بكونها ( المؤسسة الوحيدة التي تتمتع بالشرعية الدولية )؟؟! التي تسمح لها بتعبئة ونشر الموارد والخبرات الدولية، القادرة على اتخاذ القرارات المنسجمة مع مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في كلا البلدين اللذين تحتلهما أمريكا.
إن الخطة التي يقترحها هؤلاء فيما يخص العراق تقضي بالطلب من الأمم المتحدة عقد مؤتمرين طارئين يخصص أحدهما للتصدي للمعضلات السياسية الشائكة التي يواجهها العراق، في حين يخصص المؤتمر الثاني لدعوة العراق وكافة الدول الإقليمية المجاورة له، إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية وربما جامعة الدول العربية، للتوصل إلى اتفاق مشترك على خطة تستهدف خفضاً أو انسحاباً كاملاً للقوات الأميركية من العراق ، على نحو لا يترك مجالاً للدول الإقليمية المجاورة لاستغلال "الفراغ" الذي ستخلفه القوات الأميركية وراءها
أما ما يخص أفغانستان فحذر زبيجينيو بريجنسكي، خبير الأمن القومي الشهير، الولايات المتحدة الأميركية ، من مغبة الوقوع في ذات الفخ الأفغاني الذي وقع فيه السوفييت من قبل ولابد من توجيه الدعوة في صنع القرارات الخاصة بأفغانستان، إلى الدول غير المنتمية إلى حلف الناتو، ولاسيما أن المخاطر التي تواجهها هذه الدول الأخيرة جراء فشل عملية التحول السياسي في أفغانستان، تزيد في الواقع على تلك التي تواجهها أمريكا و حلفاؤها في حلف "الناتو ولابد من الإشارة هنا إلى أن "الناتو"، خلافاً للأمم المتحدة، يبقى تحالفاً عسكرياً باستمرار. وهذا ما يجعل الأمم المتحدة -دون غيرها- (حسب توصيف المسؤلين الأمريكيين) هي المؤسسة الدولية الوحيدة القادرة على توفير كل الأدوات والاستراتيجيات اللازمة لبناء عملية السلام طويل الأمد في أفغانستان التي تخدم الأمريكان على نحو ما فعلت ذلك بنجاح في كل من موزنبيق وكمبوديا وغيرهما من قبل. وفي الغالب الأعم أن تتضمن هذه الأدوات والاستراتيجيات، نشر وحدات دولية لحفظ السلام أو تنفيذه بالاضافه إلى أدوات العمل غير العسكري، طالما أن الهدف النهائي لهذه الجهود الدولية، هو جعل أفغانستان دولة ذات نظام يتناغم في توجهاته أمريكيا، والاهم جعل مواطنيها لايتعاونون مع كل من يناهض الوجود الأمريكي المحتل وكل هذا لايتحقق إلا عبر الأمم المتحدة وحدها،التي تظهرها أمريكا على أنها تتمتع بالشرعية والقدرات التقنية والثقافية التي تؤهلها لقيادة هذه الجهود ورغم ان هذا كلام غير صحيح، إلا من وجهة نظر امريكيه فلامناص للأمريكيين إلا بإعادة توثيق تحالفهم مع الأمم المتحدة، وهو التحالف الذي أحدثت فيه شروخاً عميقة، سياساتُ واشنطن الخرقاء إزاء المنظمة الدولية طوال السنوات الأخيرة. ويعتقد بعض الساسة الأمريكيين المناهضين لسياسة بوش أن الأمم المتحدة نفسها، لم يكن ميلادها سوى ثمرة لمبادرات وجهود قادة أميركيين أكثر حكمة وكياسة من قادتهم الحاليين، وأنها تظل، في كل الأحوال، رمزاً شامخاً لأعظم إنجازاتهم. الانتخابات الرئاسية الأميركية أصبحت على الأبواب والشعوب الامريكيه تدرك بعمق أهميتها وكلهم يعرفون أن الثمانية أعوام الماضية كانت مدمرة بالنسبة لأمريكا وبلغ الإهمال والطيش اللذان أظهرتهما إدارة بوش حدودا لاتوصف وبالداخل، تواجه اقتصاداً متقلصاً، وفقداناً للثقة في مؤسساتها وشكوك في مستقبلها. وكنتيجة لذلك، فإن الحلم الأميركي الذي خدع الملايين هو في خطر من أن يصبح بعيد المنال. وكثير من الأميركيين من الطبقة الوسطى لم يعودوا واثقين في أن أولادهم سيكونون قادرين على توفير حد معقول في مستوى معيشتهم.
وأمام هذه التحديات الكبرى، أصبحت إدارة بوش تحمل خصائص وعلاماتٍ بارزةً في الإهمال وتجاهل الحقيقة والواقع وفرض سياسة قائمة على الأيدلوجية عندما تتصرف وتعمل وتفشل حتما، لاسيما تغيير الموضوع أو المناورة في تعريف المصطلحات كالنصر وليس هناك ما يوضح سياسة إدارة بوش المضللة أكثر من سلوكها في أعقاب هجمات الحادي عشر من أيلول، عندما اتخذت الإدارة الأميركية – رداً على هذه الأزمة ـ سياساتٍ داخلية وخارجية خرقت الدستور الأمريكي وبددت الشعور الودي الدولي، بينما انخرطت في حرب سيئة التصور أحادية الجانب خلفت موضع خطر أكبر في عالم يرفض القيادة الأميركية حيث الإحباط من تأثير السياسات المضللة بشدة التي لاتحافظ على الروابط والصلات بالشرق الأوسط، حيث كان يعتقد سابقا أن الولايات المتحدة تُحترمها وتُبجلها في وقت من الأوقات، بعكس مشاعر الغضب المعادية الآن لأميركا، والخزي الذي جلبته فضائح سجن أبو غريب ومعتقل جوانتاناموا والتعذيب والتمييز ضد العرب والمسلمين واحتجازهم وترحيلهم بدون إجراءات مستحقة. والقيم التي كانوا يطرحونها في وقت من الأوقات على العالم وأصبحوا يهدرونها في الداخل الآن ناهيك عن المتاعب والمشاكل التي خلقتها الأوضاع في العراق ولبنان وفلسطين ..
ولذلك فالانتخابات الأميركية توفر أكثر من خيار بين المرشحين وفيما ستقرره لتغيير الاتجاه والمسار أم لا، ولتستعيد أمريكا قيمها وصورتها وهناك من يعتقد أن باراك أوباما استناداً إلى الحماسة التي أثارها خلال انتخاباته التمهيدية الأولية والاستقبال الحماسي الذي تلقاه خلال جولته الأخيرة في تسع دول بالخارج ـ سيرسل أراد بعث الرسالة اللازمة بأن أميركا عائدة وسيرسل أيضا رسالةً، إلى الشعب الأميركي والعالم وستكون أكثر من وثيقة سياسية، وستصف السياسات التي ستسعى إليها إدارته والقيم التي ستقف عليها والتي يمكن أن تعزز آمال الكثيرين في أن التغيير قادم