ما الذي يحصل عندما يعتمد أعضاء مجلس نيابي على أموال الشركات والأفراد الأغنياء وتجمعات اللوبي لإعادة انتخابهم في ذلك المجلس؟ إنهم يصبحون مبتذلين وخدماً للجهات الممولة. وهذان الابتذال والسقوط المفجع تحت أقدام الممولين هما ما يميزان مجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين. وما كان ليهمنا كثيراً ممارسة العهر الديموقراطي الأمريـكي في هذين المجلسين لولا أن الكثير من قراراتهما المجنونة الانتهازية تمس مصالح وحياة وطننا العربي وساكنيه.
مناسبة هذا الحديث القرار الأخير بشأن المطالبة بفرض عقوبات على المحطات التلفزيونية الفضائية إن هي مارست بأي شكل من الأشكال ما يمكن اعتباره تحريضاً أو مساساً بصورة أمريكا أو تشويهاً لسمعتها. وبالطبع فإن ذلك المنع الفاشستي سيشمل كيان السفاح في فلسطين المحتلة العربية، إضافة إلى ما حظي به من قبل من حصانة ضد التعرض له باسم محاربة اللاسامية، سيحظى الآن بحصانة مضاعفة كحليف للولايات المتحدة الرافعة لواء الثأر من جهة، والمنغمسة في كل خطايا الكيان الصهيوني من جهة ثانية.
في هذا المشهد السريالي ستكون اللغة هي الضحية بامتياز. وهكذا، إذا خضعت غداً أمريـكا للضغط الصهيوني ورفضت أن تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية وقلنا: ان أمريكا هي دولة صليبية تحارب الإسلام من خلال سلخ بقعة إسلامية مقدسة من ديار المسلمين فان الكونجرس الأمريـكي سيعتبر ذلك تشويهاً لسمعة أمريـكا في العالم الإسلامي، وبالتالي يستحق قائله التقريع والعقاب. وإذا قلنا: ان الوجود العسكري الأمريـكي في العراق وأفغانستان والكثير من دول العرب والمسلمين الأخرى هو احتلال استعماري يجب القضاء على وجوده فإننا نمارس التحريض الإرهابي على أمريـكا. وإذا قلنا: ان السلاح الذي تعطيه الولايات المتحدة الأمريـكية للنازيين الصهيونيين يجعلها شريكة في ارتكاب المذابح ضد الفلسطينيين الأبرياء العزل، وبالتالي يدخلها في عداد الهمجية النازية، فإن ذلك القول سيكون تشهيراً بالدولة الديموقراطية الكبرى ولا سامية بالنسبة إلى الإبليس الصهيوني المغوي لمؤسسات الحكم في أمريـكا.
سيكون لزاماً علينا ان نقول تواحداً بدلاً من الاستعمار، وسوء فهم بدلاً من الاعتداء على مقدساتنا الدينية، ومضاعفات جانبية بدلاً من المذابح الإجرامية.
سيكون لزاماً ألا نقول الحقيقة كما هي وإنما أن نغلفها بأقنعة وبتحايل كاذب وبمجاملات المذعور أمام السيد المغرور. وعندذاك، عندذاك فقط، سندخل في قاموس المتحضرين حسب التعريفات التي يضعها الكونجرس الأمريـكي المخترق من كل حدب وصوب.
لكن، هل ذلك القرار الأرعن الظالم غريب على السلطة التشريعية الأمريـكية؟
أبداً، فتاريخ هذه المؤسسة يشهد على الإمكانيات الهائلة لديها للخضوع بانتهازية لكل أنواع الضغوط على أعضائها، إضافة إلى الفضائح الفردية لأعضائها التي شملت عدم دفع الضرائب المستحقة، والمخالفات المالية والسياسية، وقبول الرشا، والانغماس في فضائح جنسية، وهي فضائح شملت المئات عبر العقود الأخيرة.
لنذكر بعض الأمثلة، إذ الفت كتب عديدة عن مئات الفضائح السياسية، فهذا المجلس لم يدافع عن الحقوق الانسانية لمواطنيه لا إبان الحرب العالمية الثانية عندما وضع الألوف من الأمريـكيين من أصول يابانية في معسكرات الاعتقال، ولا إبان الخمسينيات عندما انفجرت المكارثية الفاشستية في وجوه الأمريـكيين الأحرار، ولا إبان فترة ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عندما استبيحت حقوق العرب والمسلمين الأمريـكيين.
وهذا المجلس لم يمنع إلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما على الرغم من كل الدلائل على عدم الحاجة إلى استعمالها، ولم يمنع أمريـكا من ألف اعتداء واعتداء على حقوق دول أمريـكا الجنوبية، ولم يتدخل لإيقاف حرب فيتنام المجنونة، ولم يكشف كذب الرئيس بوش في الذهاب لاحتلال العراق، الخ… من وقوف سلبي من كل الأخطاء والجرائم التي ارتكبتها دوائر الحرب والاستغلال والاستعمار الأمريـكية.
هكذا مجلس، بهكذا تاريخ، بهكذا تكوين، بهكذا اختراق، لا يمكن إلا أن ينتقل إلى وقاحة الاعتداء على حرية الوسائل الإعلامية العربية حتى في التعبير عن الغضب واليأس من هذا النظام السياسي الأمريـكي الظالم الذي أتعب بلاده وأتعب العالم كله.
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.