وصف وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة في لقاء مع صحيفة «الشرق الأوسط» أمس الخميس (29 سبتمبر/ أيلول 2011) لقاءه مع وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي بأنه «فاتحة خير» لافتاً إلى أنه «ستكون هناك عدة خطوات دبلوماسية». كما قال ان المنطقة تغلي، وان شعب البحرين لديه مطالب حقيقية.
وأكد وزير الخارجية أن أكبر تحد للبحرين حاليّاً هو إعادة اللحمة الوطنية بين أبناء الشعب، مشيراً إلى أن ذلك هو التحدي الرئيسي.
وقال: إن «إعادة اللحمة الوطنية بين أبناء الشعب والانطلاق الجديد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا شيء مهم، وعاجلا بدلا من آجل، فنحن بلد قائم على الثروة الحقيقية وهي شعبه وإنتاجية شعبه، فإذا كان الشعب بخير؛ فإن الإنتاجية والعمل سيكونان بخير. ولو كانت لدينا مشكلة في المجتمع أو معوق حقيقي في البلاد؛ فعلينا العمل على المصالحة والتعافي. الذي حدث أمر حذرنا منه منذ البداية، قلنا منذ البداية إن علينا إبعاد بلدنا عن شفير هذه الهاوية المذهبية. وهذه حقيقة نعرفها وسنبتعد عنه. أرى في تقرير لجنة تقصي الحقائق علاجاً للنفوس، وجلالة الملك لن يقصر في هذا الشأن».
وفي ما يأتي نص الحوار:
كان هناك لقاء مهم بينكم وبين وزير الخارجية الإيرانية، كيف كان اللقاء وما نتج عنه؟
– كان لقاء مهما حقيقة، اتفقنا عليه أنا ووزير خارجية إيران قبل بضعة أيام ورتبنا له، لأنه منذ أن اختلفنا مع إيران على مسألة الأحداث في البحرين هذا أول لقاء على هذا المستوى وكان لقاء صريحاً وجديّاً.
وأشكر الوزير صالحي لأنه كان لديه الجدية نفسها في إعادة العلاقات والمياه إلى مجاريها في علاقات البلدين.
اتفقنا على أن نتخذ بعض الخطوات التي تعزز بناء الثقة، إن كان في المجال الإعلامي أو غيره من مجالات، ولدي كل الثقة بأننا لم نضع وقتنا في هذا الاجتماع.
ماذا سيترتب على هذا الاجتماع، وما الخطوات الملموسة التي تتوقعونها؟
– إلى الآن أستطيع القول إنه ستكون هناك عدة خطوات دبلوماسية، قد لا أستطيع أن أبينها بالضبط، لأن كلاًّ منا عليه العودة إلى قيادته.
ولكن، هناك خطوات دبلوماسية بين البلدين وأيضاً خطوات بعدها في لقاءات أكثر تعزز التعاون. أستطيع القول إن هذا الاجتماع فاتحة خير، وتصوير هذا الاجتماع ليراه الناس في البحرين وإيران سيكون له أثر إيجابي في تهدئة الأمور في كل مكان.
هل لديكم مطالب محددة من الإيرانيين؟
– أنا أثرت معه موضوع الإعلام وأحب أن أنبه إلى شيء نحن لا نطلب إسكات الإعلام الحر، الإعلام الحر حر، لكننا نتكلم عن الإعلام الرسمي، وكلنا يعلم أنه يمثل صوت الدولة ورأيها. وما رأيناه من الإعلام الرسمي في الفترة الأخيرة كان غير مقبول، فتكلمنا في هذا الموضوع و«أتعشم خيراً» في هذه المسألة.
وأيضاً تم إيضاح بعض الأمور، فكانت لديهم مواقف تتعلق بمملكة البحرين وأنا أوضحتها، وهو بذل جهدا مخلصا لتوضيح مواقف الجمهورية الإسلامية. وهذا الشيء نقدره جدّاً، لا أستطيع القول إنني متفائل جدا، ولكن أستطيع القول إنني أشعر بأن الوضع أحسن بعد اللقاء.
كانت هناك مخاوف من استغلال إيران للأوضاع داخل البحرين والاحتجاجات الشعبية والمطالب الشعبية.
– كل الأمم خلال فترة التحول يكون الوضع فيها حساسا ومعرضا للتدخل ومفتوحاً، ولهذا كنا دائما حذرين كي لا يتدخل أي طرف في شئوننا.
كنا دائما نقول تأتينا تدخلات من إيران ولكن ليس بالضرورة أننا اتهمنا فيها أطرافا رسمية إيرانية، لذلك كان يهمنا جدا أن يكون الموقف الإيراني الرسمي واضحاً ولا يتدخل في الشئون الداخلية. ولكن طبعا هناك دائماً أعضاء من البرلمان يتدخلون بشكل واضح وهناك صحف وكتاب أساءوا إلى البحرين، هناك أيضا خطب سمعنا فيها ما لا يرضينا وأساءوا إلى كل أهل البحرين. الآن نرى أنه تجب معالجة هذا الموضوع حقا، وأكد لي الوزير صالحي أن لديهم الجدية نفسها، وهذا الأمر يوجد جوًّا من الثقة. والاطمئنان بالنسبة لي وبالنسبة له موضوع أكبر، فالمنطقة كلها تغلي وممكن أن يؤثر أي حدث علينا أو عليهم. نستطيع أن نعتبر هذا اللقاء خطوة باتجاه بناء ثقة أحسن وعلاقة أفضل، فقد حدثت خطوة.
أعلم أنك لا تريد استباق الأحداث، ولكن ما الذي يمكن أن يزيد من الثقة بين الطرفين؟
– لو لاحظنا بشكل ملموس أن هناك توجهاً لدى القيادة في إيران في توجيه الإعلام الرسمي إيجابيا بعد اللقاءات، ونحن نراقب كل شيء وهم يراقبون كل شيء، سيعطي ذلك الثقة ويفسح المجال لخطوات إضافية. فسفراؤنا كل واحد في بلده وهذا أمر غير صحيح، فالسفير مهم وهو يلعب دوراً رئيسيّاً في إعادة الأمور ويرتبها، ولا يوجد شك في أننا لو رأينا لغة إيجابية سيؤدي ذلك إلى رفع التمثيل الدبلوماسي بيننا. ولكن طبعاً أية خطوة يجب أن نوضحها لشعوبنا بأنها تؤدي إلى انفراجة حقيقية، أما إذا كانت انفراجة شكلية فهم تعبوا منها ونحن تعبنا منها.
من بادر وطلب عقد هذا الاجتماع؟
– التقينا في اجتماع الحوار الآسيوي وكنا نتكلم واتفقنا على الاجتماع، وتم الترتيب عبر المندوبيات الدائمة، لم أطلب منه ولم يطلب مني، ليست بيننا هذه الأمور.
إلى أي درجة تعتقدون أن إيران يمكن أن تؤثر على الانفراج الداخلي، وخاصة في ما يخص عقد الحوار الوطني والخطوات المقبلة؟
– أي انفراجة حقيقية مع إيران ستؤثر إيجاباً، الوضع لدينا أصبح حساسا ومن ناحية مذهبية، وهذا أمر تعانيه كل المنطقة، لم تخلقه البحرين ولم يولد في البحرين.
وأي انفراجة ستعطي ثقة لأبناء البحرين، لو رأوا البحرين وقوة رئيسية مثل إيران يتكلمان بجدية عن استقرار المنطقة فسيعلمون أننا لسنا في حالة عداء، لأن حالة العداء هي التي تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه داخليا أو بين الدول.
لننتقل إلى الوضع الداخلي البحريني، هل تتوقعون نشر تقرير لجنة تقصي الحقائق الدولية قريبا؟
– نعم نعم.
وبناء عليه، ما الذي يمكن أن يحدث في البحرين من إجراءات؟
– جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عندما أمر بتشكيل هذه اللجنة كان واضحاً بأن هذه اللجنة تكون للتحقيق في كل ما جرى من أحداث في البحرين في الشهرين فبراير/ شباط ومارس/ آذار وكل ما يتعلق بها من أحداث، والهدف هو الوصول إلى الحقيقة. وذلك لأن ما واجهناه من هجمة إعلامية ومواد انتشرت، هناك ما هو صحيح وهناك ما هو غير صحيح، واختلطت الأمور. جلالة الملك هو قائد البلاد وأب للجميع، يريد الحقيقة قبل الآخرين لأنه مسئول عن المملكة، لنثبت لأنفسنا وللعالم في أية مسألة تهم استقرارنا واستقرار المنطقة.
البحرين بلد استراتيجي مهم جدّاً في المنطقة واستقراره مسألة حيوية لكل أبناء المنطقة، وهذه منطقة حساسة جدّاً، ولذلك علينا مسئولية في أن يكون هناك استقرار حقيقي بين أبناء البحرين. ولذلك، مسألة الحقيقة مسألة حيوية مهما يكن طابع هذه الحقيقة وسنصل إليها، لأن تقرير اللجنة سيكون علنيّاً والجميع سيقرأه في الوقت نفسه، لا يوجد هناك أمر سري، سيكون علنيا وينشر على الإنترنت، وسيتضمن مقترحات وتوصيات، نحن نعلم أن البحرين بقيادة جلالة الملك ملتزمة بها، وسنعمل كل ما بوسعنا لإرضاء خواطر الجميع. ونحن نأخذ في الاعتبار الانقسام في المجتمع، منذ متى والبحرينيون منقسمون، هذا من أسوأ الأمور التي مرت علي في حياتي، أن أرى شعب البحرين منقسماً بهذا الشكل. لا يعجبني أي كلام متطرف من أية جهة يأتي.
النظرة إلى البحرين خلال هذه الفترة، وخاصة في الولايات المتحدة مثلما رأينا في خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما، باتت مركزة على انقسامات طائفية، كيف يمكن ترميم هذه الصورة؟
– خطاب الرئيس أوباما رحبنا به لأنه كان خطابا جيدا ورحبنا به ترحيبا كاملا، وموقفنا واضح، فالخطاب مقارنة بمواقف سابقة جيد جدا، ونستطيع أن نقول إن هذا الخطاب رحب بالخطوات الجادة التي قامت بها مملكة البحرين. ولكن أيضا الخطاب أشار إلى الحكومة وسمى أحد الأطراف (إشارة إلى جمعية الوفاق المعارضة)، ولكن في البحرين هناك أطراف عدة، وأنهى الفقرة في الخطاب بمحاولة الابتعاد عن الانقسام الطائفي ولكن هذه الإشارة إلى طرف واحد ربما زاد من هذا الأمر. الوضع في البحرين فيه الكثير من الأطراف والمكونات.
هل أثرت الأحداث في البحرين على علاقاتكم مع الولايات المتحدة وأوروبا؟
– لأن الصورة كانت سلبية ونحن قصَّرنا منذ البداية ولم نكن مستعدين لهذا الحدث، فلا شك أنها أثرت على العلاقات إلى حد ما. ولكن العلاقات مع الولايات المتحدة أو أوروبا الآن مقارنة مع أول الأيام، هناك فرق كبير، يعني اليوم شرحنا وقمنا بجولات وجلالة الملك قام باتصالاته ويواصلها، وذلك يثبت أن صدقية البحرين وإن تعرضت لهزة لم تسقط. ثقة الدول بالبحرين موجودة على رغم كل الصعوبات. وهذه مسئولية تقع علينا وكيف نبرز الصورة الحقيقية بالأفعال لا الكلام.
ما أكبر تحد للبحرين اليوم؟
– أكبر تحد وليس لدينا سواه هو إعادة اللحمة الوطنية بين أبناء الشعب. هذا هو التحدي الرئيسي، فإعادة اللحمة الوطنية بين أبناء الشعب والانطلاق الجديد سياسيّاً واقتصاديّاً واجتماعيّاً شيء مهم، وعاجلاً بدلا من آجل، فنحن بلد قائم على الثروة الحقيقية وهي شعبه وإنتاجية شعبه، فإذا كان الشعب بخير الإنتاجية والعمل سيكونان بخير. ولو كانت لدينا مشكلة في المجتمع أو معوق حقيقي في البلاد، فعلينا العمل على المصالحة والتعافي. الذي حدث أمر حذرنا منه منذ البداية، قلنا منذ البداية إن علينا إبعاد بلدنا عن شفير هذه الهاوية المذهبية. وهذه حقيقة نعرفها وسنبتعد عنه. أرى في تقرير لجنة تقصي الحقائق علاجا للنفوس، وجلالة الملك لن يقصر في هذا الشأن.
هناك أسئلة كثيرة عن المعتقلين وخاصة المعتقلين السياسيين، كيف يمكن معالجة هذه القضية؟
– هناك معتقلون بعد أن وجهت إليهم تهم وحكموا في المحاكم، وهناك الكثير من المعتقلين تم إطلاق سراحهم.
المشكلة ليس في المعتقلين، المشكلة في أن تكون حقوق المعتقلين مصانة ومتناسبة مع الحقوق العالمية. الشخص إن كان مجرما أو مجنيا عليه، كل واحد يفسر تطبيق القانون بناء على حفظ الكرامة والحقوق. وفي ما يخص القانون، نحن في المنطقة العربية أصبحت كلمة قانون كلمة ضعيفة، من حيث التطبيق أو في التسامح والتساهل. التسامح يعبر عن نفوس طيبة، ولكن على المدى البعيد هناك أضرار في إضعاف القانون. يجب أن تكون سيادة القانون على الجميع.
هل ستساعد لجنة تقصي الحقائق والقرارات الجديدة في تقوية القانون في البحرين؟
– تقوية القانون لا تحتاج إلى هذه اللجنة أو غير ذلك، بل تحتاج إلى سياسة واضحة. عندما أقول تقوية القانون ذلك يعني الثقافة أيضاً وطريقة التفكير. التجاوز وعدم تطبيق القانون بطريقة صحيحة أمر يتطلب أن يدخل في أصل الثقافة. وهذا هدفنا في المرحلة المقبلة.
قلتم إن المنطقة تغلي، ماذا تفعلون الآن لإقناع الدول المعنية بالشأن البحريني بأنكم سائرون على الخطة المطلوبة لاستقرار البلاد وتقدمه؟
– «المنطقة تغلي» لا يعني أنها تمر بقلاقل فقط، بل هناك شعوب لديها تطلعات ومطالب حقيقية، وشعب البحرين ليس جديداً في طرح المطالب، إنه شعب عريق وله تاريخ عريق في الوطنية. هذه مرحلة تحول للمنطقة ويجب أن تحقق أهدافها، التحول إلى الأفضل لديه مبادئ عامة تهم الإنسانية كلها.
أرجو ألا تعيق أمراض المنطقة هذا التقدم، لدينا أمراض مذهبية وأمراض فكرية وأمراض تتعلق بالتخلف الفكري، هذا التخلف الفكري أرجو إلا يقف حائلاً أمام هذا التقدم أو التحول أو يعيق تحقيق أهدافه في وضع الأمة العربية والمنطقة على أعتاب الحداثة. نحن إذا لم نضع أنفسنا على هذه الأعتاب وبناء الدولة المدنية. السنة والشيعة لا ينجحون إلا تحت دولة مدنية، مسلمون ويهود ومسيحيون يحتاجون إلى دولة مدنية تحفظ حقوق الجميع. نريد أن نصل إلى الدولة المدنية بحق وحقيقة. الظروف صعبة الآن بشأن تحقيق ذلك.
فمستقبل البحرين هو في دولة مدنية؟
– مستقبل البحرين في دولة مدنية وهذا يتطلب تضافر جهود الجميع، وأرجو ألا نبقى أسرى أخطاء سابقة، أرجو ألا نبقي فكرنا متخلفاً عن الركب العالمي، يجب أن نخطو خطوات نحو الحداثة
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3310 – الجمعة 30 سبتمبر 2011م الموافق 02 ذي القعدة 1432هـ