هاني الفردان
ربما هي المرة الأولى التي يخرج فيها رجلا أمن متهمين بقتل مواطن خلال الأحداث السياسية التي تشهدها البلاد، للحديث صراحةً أمام المحكمة، ويقولان حقيقة مرة، ربما لا يجهلها الجميع، ولكن لم يسمعها أحد من على لسان المعنيين أو المتهمين بشكل علني، ومن أفراد أمنيين، يعيشون تحت «وطأة الخوف».
رغم استغرابنا من قرار المحكمة الكبرى الجنائية الثالثة بإخلاء سبيل شرطيين متهمين بقضية مقتل الشهيد حسين الجزيري الذي فارق الحياة في (14 فبراير/ شباط 2013)، وذلك بكفالة 500 دينار لكل منهما، وفي حال عجزهما عن سداد المبلغ يتم تجديد الحبس لهما لمدة 20 يوماً ويمنعان من السفر، خصوصاً أن الجريمة قتل، فإن للقضية جانباً مختلفاً نتناوله على لسان المتهمين من أفراد قوات الأمن. فقد أكد الشرطيان أمام المحكمة التي وجهت لهما تهمة القتل، أنهما كبشا فداء في القضية، خصوصاً أنه في يوم الواقعة كان هناك العديد من رجال الأمن الذين يملكون سلاح الشوزن الذي استخدم ذلك اليوم. وقد أنكر الشرطيان في تحقيقات النيابة العامة تهمة الاعتداء المفضي إلى الموت التي وُجّهت إليهما، ونفيا تسببهما بأي شكل كان في وفاة المواطن الجزيري.
صحيح أن الشرطيين لم يفصحا عن حقيقة مدلولات الكلمة التي قالاها أمام القاضي، وهل كانا فعلاً يقصدانها بشكل واضح وصريح، أم أنهما أطلقاها من دون وزنها وفهم مدلولاتها، فكلمة «كبشا فداء» تعني أنهما «استخدما» للتستر على آخرين، وبالتأكيد ممن هم أرفع منهما منزلةً ورتبة، أو ممن هم من أبناء هذا البلد، ومن الذين لا يُراد أن تطالهم يد العدالة.
قضية الشرطيين وتصريحهما تمس جوهر، قضية مهمة من قضايا حقوق الإنسان في البحرين، وتوصية مهمة من توصيات تقرير لجنة تقصي الحقائق «توصيات بسيوني»، وكذلك توصيات مجلس حقوق الإنسان «توصيات جنيف»، ألا وهي محاسبة كبار المسئولين عن انتهاكات حقوق الإنسان التي حدثت في البحرين، وكذلك سياسة الإفلات من العقاب، والتي تتهم دول أجنبية ومنظمات دولية الحكومة البحرينية بتعزيزها.
ذلك الموضوع أيضاً كان صلب حديث عضو اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق السير نايجل رودلي في جلسة الاستماع الخامسة التي عقدتها لجنة الشئون الخارجية في مجلس العموم البريطاني في (14 مايو/ أيار 2013) للبحث في طبيعة العلاقات بين بريطانيا وكلٍّ من السعودية والبحرين، عندما أكّد على أن الوضع السياسي في البحرين كان سيكون أفضل لو طبقت توصيات لجنة تقصي الحقائق، مشيراً إلى أن الإفلات من العقاب يمثل عقبةً رئيسيةً أمام الإصلاح، بالإضافة إلى عدم وجود إجراءات لمعالجة جذور الانتهاكات.
بالعودة إلى حديث الشرطيين، سنكتشف المزيد، إذ أكّدا أيضاً وبحسب روايتهما أمام المحكمة «أنهما من دون أي تحقيق معهما بخصوص الواقعة من قبل الجهات الأمنية تم اختيارهما بشكل عشوائي، وطلبوا منهما كتابة إفادتهما بخصوص الواقعة، في الوقت الذي ليس هما من قام بالواقعة، وإن لديهما عوائل في البحرين والتزامات».
التحقيقات التي أجريت من قبل في الحادثة كانت تبحث عن من أطلق على الجزيري من الشرطة، ولم تبحث عن من أصدر الأمر من المسئولين، بل ذهبت لاعتبار الضابطين المسئولين عن قيادة القوات في ذلك الوقت «شاهدين» واكتفت بسماع أقوالهما في هذا الشأن.
يقول السير نايجل رودلي في شهادته التاريخية أمام لجنة الشئون الخارجية في مجلس العموم البريطاني، وباعتباره أحد أعضاء لجنة تقصي الحقائق في البحرين، إن معظم من يقدمون إلى المحاكم من رجال الأمن بتهمة القتل هم من غير البحرينيين.
عند هذه الشهادة يمكن التمعن جيداً في مقولة الشرطيين أمام المحكمة، وشعورهما بأنهما كانا «كبشي فداء».