مؤخرا، نشرت صحيفة "جارديان" البريطانية تحليلا مهما مطولا عنوانه "مثقفون، على اقلامهم دماء". التحليل كتبه بانكاج ميشرا، وهو كاتب وروائي هندي معروف. الفكرة التي يطرحها في تحليله تستحق ان نتوقف عندها، وهي على اية حال تعنينا نحن في العالم العربي والاسلامي في المقام الاول.
في المقال، يتحدث الكاتب عن ظاهرة "اعترافات" بعض المثقفين والساسة والمسئولين في الولايات المتحدة وفي بريطانيا في الفترة الماضية، فيما يتعلق بقضية غزو واحتلال العراق، وافغانستان ايضا.
بـ "الاعترافات" هنا يعني تلك الكتابات والتصريحات التي صدرت عن بعض المسئولين طوال الفترة الماضية تتحدث عن ان غزو واحتلال العراق لم يكن قانونيا ولم يكن شرعيا وكيف انهم كانوا يعرفون ذلك. ويقصد ايضا كتابات بعض المثقفين حول اكاذيب ادارة بوش وادارة بلير لتبرير غزو واحتلال العراق، وكيف انه تم تضليل الراي العام عن عمد. وايضا، كتابات بعض المثقفين حول خطأ مواقفهم من غزو واحتلال العراق في الماضي، وكيف انهم اساءوا التقدير.. وهكذا.
يتوقف الكاتب امام ظاهرة "الاعترافات" هذه، ويقول بداية ان العجيب في امر هذه الاعترافات انها لا تكشف أي شيء جديد لا يعرفه الآن، ولم يكن يعرفه في السابق، أي قارئ عادي للصحف. فلم يكن سرا ان غزو واحتلال العراق بني على اكاذيب اختلقتها ادارة بوش وروجت لها. ولم يكن سرا ان الغزو والاحتلال كان وراءه اهداف وغايات امبريالية امريكية.
المهم ان هذه الاعترافات، او المراجعات، او ايا كانت التسمية، لا يمكن ان تخفي في راي الكاتب فضيحة او بالاحرى جريمة كثير من المثقفين في امريكا وفي بريطانيا، فيما يتعلق بمواقفهم من غزو واحتلال العراق والادوار التي لعبوها.
الكاتب يخص بالذات صنفين من هؤلاء المثقفين.
الاول: المثقفين، والساسة ايضا، الذين صمتوا في ذلك الوقت ابان الغزو والاحتلال، على الرغم من انهم كانوا يعلمون الحقيقة كما قالوا هم انفسهم بعد ذلك.
بعبارة اخرى، اولئك المثقفين الذين لم يرفعوا اصواتهم معارضة للغزو والاحتلال، وكشفا لأبعاد جريمة امريكا وبريطانيا مع انهم كانوا يعلمون الحقيقة.
يقول الكاتب انه ربما لو ان هؤلاء الساسة والمثقفين لم يصمتوا آنئذ، لكان الوضع قد اختلف.
والثاني: اولئك المثقفين، الذين ايدوا الغزو والاحتلال. ليس هذا فحسب، بل ان كثيرا من المثقفين في امريكا وفي بريطانيا ساهموا في التنظير للغزو والاحتلال في محاولة لتجميله لدى الراي العام.
الكاتب يقصد هنا اولئك المثقفين الذين كتبوا وتحدثوا عن الاحتلال باعتباره ضرورة لنشر الديمقراطية. واولئك الذي روجوا لما اسمي بـ "الفوضى البناءة"، ولم يجدوا غضاضة في تبرير تدمير العراق، بل والمنطقة كلها، من اجل ما زعموا انه اعادة بناء على اسس جديدة.
كل هؤلاء المثقفين، اقلامهم مغموسة في الدم، كما يقول الكاتب في عنوان مقاله.
بالنسبة الى الكاتب، افكار وآراء هؤلاء المثقفين اصبحت اليوم في "مزبلة التاريخ"، بعد ان اتضحت للعالم كله ابعاد جريمة غزو واحتلال العراق، وبعد ان اتضحت الابعاد الكارثية لأفكار هؤلاء المثقفين التي روجوا لها.
ومع هذا، يحذر الكاتب من ان خطر هؤلاء لم ينته، ومن ان هناك مثقفين يريدون لمسيرة العنف والدماء والتدمير ان تستمر في العالم.
هذا هو ملخص مقال الكاتب عن هؤلاء المثقفين.
فماذا عن مثقفينا نحن في الدول العربية؟.
في دولنا العربية كثير من المثقفين اقلامهم مغموسة في الدم.. في دم العراق والعراقييين، وفي دم مجتمعاتنا ودولنا عامة. هؤلاء المثقفون العرب جريمتهم اشنع من جريمة مثقفي الغرب الذين تحدث عنهم الكاتب.
وهذا حدث آخر بإذن الله.