عبد العزيز المقالح
من أحدث الأنباء التي أوردتها وكالة الأنباء الفلسطينية (فلسطين برس) أن مصادر صهيونية قالت: إن الملياردير الاسترالي اليهودي “ميسد سكيف” بدأ في تشكيل طاقم توجيه خاص يضم اقتصاديين ومهندسين وآخرين لإعداد مخطط لما يسمى “القدس الكبرى”، وفي إطار هذا الاهتمام الذي يبديه هذا الملياردير اليهودي بتهويد القدس فقد اشترى فندقاً كبيراً في القدس وأدلى بتصريحات صحفية يوضح من خلالها كيف سيحول القدس إلى مركز إبداعي وسياسي، فضلاً عن استعداده لإقامة مطار دولي بالقرب من أريحا . وما أظن أن نبأ كهذا قد فاجأ أياً من الفلسطينيين وأشقائهم العرب، فأثرياء اليهود هم الذين صنعوا الحركة الصهيونية وأمدوها بالمال ثم بالسلاح حتى تحقق للصهاينة الجزء الأول من أحلامهم وهو إيجاد وطن قومي على أرض فلسطين العربية .
وما يعد مفاجئاً ومثيراً للغاية أن اليهود المشهورين على مستوى العالم، وعبر التاريخ، بالبخل وحبهم للمال إلى درجة العبادة، بل يكاد يكون معبودهم الأول، أنهم لا يترددون في دفع المليارات لتحقيق المآرب الصهيونية، يحدث هذا الآن، وقد حدث دائماً من مليارديرات يهود في أمريكا وأوروبا، كانوا ولا يزالون يقدمون مليارات الدولارات لخزينة الكيان الصهيوني . وهو ما نفتقده نحن لدى المليارديرات العرب الذين يزرعون أموالهم الطائلة في وديان غير ذات زرع، ويضعونها في بنوك تخدم العدو ولا تفيد الصديق .
ولم نسمع طوال العقود الأخيرة التي تعرض فيها إخوانهم في غزة والضفة للحصار والتجويع أن مليارديراً عربياً واحداً قد كلف نفسه إقامة مشروع يسهم به في إنقاذ أشقائه من الظلم الواقع عليهم أو يساعدهم على مواجهة حالات الفقر والمرض، وبين هؤلاء الأثرياء من يتبرع بالملايين لمدارس وجامعات وحدائق أوروبية وأمريكية .
إن صورة العربي في الروايات الأوروبية والأمريكية وفي الأفلام أيضاً تختلف كثيراً عن صورة اليهودي، الأخير بخيل ومقتر على نفسه وأهله، بينما العربي كريم إلى حد الاسراف، بل هو لا يقيم وزناً للمال ينفقه شمالاً ويميناً، كما في معظم روايات الكاتب البرازيلي “باولو كويلو”، فكيف لا يظهر شيء من هذا الكرم، ولا نقول الإسراف، في إنقاذ بعض المرافق الفلسطينية كالمستشفيات والمدارس ودعم بعض المؤسسات التي ترعى آلاف الأطفال ومئات الآلاف من الجياع والعاطلين الذين لا يجدون مجالاً للعمل وكسب رزقهم اليومي بعرق جبينهم؟ وما الذي يضير مليارديراً عربياً من هذا البلد العربي أو ذاك من تبني عدد من أبناء الشهداء والإنفاق عليهم وتدريسهم على نفقته، وهذا أضعف الإيمان؟ والحق إنني كلما سمعت خطباء المساحد في بلادنا يطالبون رواد المساجد الفقراء أن يتبرعوا لإخوانهم في غزة تذكرت عشرات الآلاف من الأغنياء العرب الذين تتصدر أسماؤهم قوائم الأغنياء في العالم .
لقد نكأ النبأ الوارد في وكالة (فلسطين برس) جرحاً غائراً في النفس، ودفعني إلى هذا التساؤل الممض وإلى التفكير في مصير المليارات وربما التريليونات القابعة في البنوك الأوروبية والأمريكية من الأموال العربية، وهل من الحكمة والمنطق بقاؤها هناك في هذه الظروف التي تعاني فيها الولايات المتحدة والدول الأوروبية من أزمات اقتصادية خانقة ومتلاحقة؟ وهل كتب على العرب من دون بقية أبناء الأرض أن يذبحهم أعداؤهم بسيوفهم ويذلوهم بأموالهم؟ ولعل ما يزيد من حدة القلق وتداعياته أن أغنياءنا العرب يدركون هذه المخاطر جيداً ويتحدثون عنها في جلساتهم الخاصة، ولكنهم مع ذلك يظهرون دائماً كالمقيدين بأصفاد غير منظورة، أصفاد من الخوف الذي يشل التفكير ويمنع من اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب .
الخليج:السبت ,19/05/2012