يعيد متطوعون بهدوء بناء مسجد عمره 950 سنة من تحت الأنقاض ولقد كان للمتطوعين مهمتان: مجموعة تعمل ، والأخرى تراقب عودة قوات الأمن الذين قادوا جرافاتهم العام الماضي لهدم المسجد.
إن إعادة وضع لبنات جدران مسجد مهدم — في المجتمع البحريني الممزق و 16 شهرا من الاشتباكات المتواصلة والتوترات بين النظام الملكي السني ومحتجين من الأغلبية الشيعية في المملكة – قد ينظر إليه على أنه عمل مشحون سياسيا.
قال محمد جعفر، وهو طالب عمره 17 عاما، والذي كان من بين الطواقم المخصصة هذا الأسبوع للعمل في مسجد الإمام الهادي في منطفة النويدات في وسط البحرين: "ولدت هنا، وسوف أموت على هذه الأرض". وأضاف: "يحق لنا القتال من أجل كرامتنا ولا نعيش كالعبيد في دولة إقطاعية".
إن هدم العشرات من المساجد الشيعية وغيرها من أماكن التجمعات الدينية لا يزال واحدا من أكثر القضايا حساسية وسط مجموعة من الشكاوى من قبل الشيعة في البحرين، الذين يزعمون أن الاسرة السنية المدعومة من الغرب تعاملهم كمواطنين من الدرجة الثانية. وقد ازدادت صلابة انتفاضتهم الحالية، التي بدأت في شباط/فبراير 2011، والتي كانت مستوحاة من الربيع العربي، في مواجهة شرعية النظام الحاكم الذي ترك الدولة الجزيرة منقسمة.
وآخر ضربة كانت يوم الخميس عندما أصدرت محكمة حكما بالسجن على تسعة أطباء وممرضين وممرضات تصل إلى خمس سنوات بعد إدانتهم في المحاكمة الثانية لمساعدة الاحتجاجات. وعقوبة خمسة عشر عاما كانت أيضا لاثنين من الأطباء الذين فروا من البحرين.
وقال مايكل بوسنر، مساعد وزير الدولة الأمريكي للديمقراطية وحقوق الإنسان والعمال، للصحفيين في العاصمة المنامة إن واشنطن أحست "بخيبة أمل عميقة" من الإدانات وحثت جميع الأطراف لإيجاد سبل لفتح حوار وإلا فهناك خطر حدوث مزيد من الاضطرابات في استراتيجية الدولة، التي تعد موطنا للأسطول الأمريكي الخامس.
وقال : "الحوار لم يكن أكثر إلحاحا، والاستقطاب في المجتمع البحريني يزداد والنسيج الاجتماعي يصبح أكثر تمزقا".
ويوم الجمعة قال رئيس الشرطة في البحرين اللواء الركن طارق الحسن إنه قد تم الكشف عن مواد "شديدة الانفجار" لصنع القنابل في مداهمات لعدة مواقع. وقد أصيب عدد من قوات الأمن في تفجيرات الشهر الماضي.
ولقد قدم زعماء البحرين مجموعة من التنازلات، بما في ذلك إعطاء المزيد من الصلاحيات للبرلمان المنتخب، ولكن الجماعات الشيعية تقول إنها تقل عن على تلبية المطالب التي تتخلى فيها الملكية عن سيطرتها الكاملة تقريبا على سلطة الحكومة والتعيينات.
المساجد الشيعية المهدمة في مختلف أنحاء البحرين ترمز أيضا إلى بعض المفاهيم الأساسية التي تجعل من البحرين واحدة من أكثر البؤر المعقدة دبلوماسيا في الشرق الأوسط بالنسبة للغرب.
القيادة البحرينية تدعي بأن إيران الشيعية تشجع على تحدي سلطتها. ومن الجانب البحريني أيضا فان كل دول الخليج العربية تتم قيادتها من قبل السعودية، التي أرسلت قوات لمساعدة النظام الملكي البحريني في العام الماضي والآن تعمل على دعم مقترحات اتحاد أوثق.
على الرغم من أنه لا يوجد دليل مباشر على تورط إيراني في البحرين، ألا أنها تشكل تهديدا محتملا يتردد صداه عميقا مع الغرب. الولايات المتحدة وحلفاؤها هم أيضا حريصون على عدم زعزعة علاقاتهم المهمة مع الخليج بالضغط بقوة على البحرين، الذي لقي فيه أكثر من 50 شخصا حتفهم في الاضطرابات.
في هذه الأثناء، الشيعة في البحرين – الذين يمثلون نحو 70 في المئة لأكثر من نصف مليون مواطن – تتزايد انتقاداتهم للولايات المتحدة بسبب ما يرونه تخليا عن قضيتهم للحفاظ على علاقات مهمة مع حكام الخليج. ولقد أصبحت المساجد المدمرة خلفية سياسية مع جماعات تقيم أحيانا صلاة الجمعة فوق الركام.
رجال الدين الشيعة يزعمون بأن ما لا يقل عن 38 مسجدا ومواقع تابعة لها، مثل مكاتب جمعيات خيرية، قد دمرت كجزء من حملات القمع من قبل الحكومة. ويقول مسؤولون إن هذه المساجد تفتقر للتصاريح اللازمة. وقد أحصى بعض الناشطين المساجد المدمرة بـ 55 مسجدا أو أكثر.
تعهدت البحرين بإعادة بناء ما لا يقل عن 12 مسجدا شيعيا، ولكن لم يبدأ العمل على نطاق واسع بعد.
وبدلا من ذلك، بدأت مجموعات المتطوعين بإعادة إعمارها في تحد لاختيار الحكومة الأماكن التي يعاد عليها بناء المساجد.
في النويدرات، على بعد حوالي 10 كيلومترات (ستة أميال) إلى الجنوب من المنامة، بدأ العمل على 10 مساجد ومواقع دينية شيعية دمرت في "غضون ساعات" في 10 نيسان/أبريل 2011، وفقا لتقرير مستقل عن اضطرابات البحرين صدر في تشرين الثاني/نوفمبر. وأشار إلى أن التدمير قد أعطى " انطباعا للعقاب الجماعي."
وأثار الناشطون البحرينيون مسألة المساجد المدمرة في الشهر الماضي في جنيف في جلسة المراجعة الدورية للبلاد في مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
وقال علي عبد الخالق( 38 عام)، وهو يضع حجر الأساس لمسجد الإمام الهادي : "لقد كان أمرا خاطئا"، وأضاف :" لقد كان هذا ضد القيم الإنسانية في الحرية والمعتقد".
ولقد انضم للعمل في ذلك المساء- ما يقارب 30 شخصا تتراوح أعمارهم بين 10 إلى 70 عاما – على أرض زراعية كانت مزروعة ذات يوم بأشجار النخيل. وعندما جفت مياهها في عام الثلاثينات من القرن الماضي، هاجر معظم الناس إلى المناطق المجاورة تاركين مجموعة من المساجد الأثرية التي يقصدها الناس لأداء صلاة الجمعة والاحتفالات الدينية.
وقد تم إصلاح أحد المساجد بالكامل، ولكن السلطات رفضت إعادة توصيل الكهرباء إليه من جديد ولكن السكان المحليين عملوا على إيصالها عبر المولدات.
ويزعمون أيضا بأنهم تلقوا دعما غير مباشر من بعض السنة – وذلك لمواجهة التأكيدات الحكومية من أن الشيعة الذين يدعمون الاحتجاجات يحاولون توسيع الخلافات الطائفية.
وقال علي حسين، 69 عاما، وهو مدرس شيعي متقاعد بأن السنة قد تبرعوا نقدا لإعادة بناء المسجد، وكذلك الأثاث والمصاحف. وأضاف "إنه جهد متحد تماما، ورسالة لعدم الإساءة إلى بيوت الله".
وقال فتى عمره 10 سنوات على كرسي متحرك بسبب حادث سيارة وهو يوزع الماء: "هذا في سبيل الله".
وفي الأسبوع الماضي، قال بعض المتطوعين بأنهم تلقوا إخطارات من الشرطة لوقف العمل. وفي الأسبوع الماضي أيضا ألقيت قنبلة حارقة على مسجد شيعي خارج المنامة، تسببت بأضرار طفيفة في سجادة. وفي شهر آذار/مارس، نهب مخربون مسجداً تاريخياً شيعياً في منطقة غالبيتها من السنة تبعد 12 ميلا (20 كيلومترا) جنوب العاصمة المنامة. [مسجد وقبر صعصعة بن صوحان في منطقة عسكر]
وفي أحد المساجد الشيعية التي عمرها 450 سنة والتي هي الآن على أرض مملوكة للعائلة الحاكمة في البحرين، أزالت الشرطة لافتات كتب عليها اسم المسجد، أمير بربغي. وفي وقت لاحق كتب أحدهم على جدرانه : عاش الملك.
ولم يستجب مسؤولون حكوميون فورا لطلبات الحصول على تفاصيل بشأن مضمون تحذيرات الشرطة.
وقال المدرس المتقاعد علي إبراهيم (67 عاما): " إننا نبعث برسالة ". وأضاف : "وهذه الرسالة هي أننا لن نتوقف عن إعادة بناء مساجدنا المدمرة مهما حصل".
مجلة الجزيرة العربية » البحرين