هاني الفردان
يدور الحديث حالياً حول «حوار» أو «لقاءات» أو «جلسات» سمِّها ما شئت، فهي في النهاية لن توصل أحداً للهدف، ما لم تقم على أسس حقيقية وواضحة يرتضيها الجميع. وفي ظل ضياع البوصلة أو بشكل أكثر وضوحاً الإصرار على إضاعتها، وعدم الرغبة الجدية في الوصول إليها… ستبقى كل تلك المسميات والمصطلحات لـ «الترويج الإعلامي» الخارجي لا غير.
العالم بأكمله فهم دعوة سمو ولي العهد للحوار من خلال منتدى «حوار المنامة» على أنها دعوة واضحة للمعارضة الى الخروج من الأزمة الخانقة، إذ ان السلطة لا مشكلة لديها مع «الموالين» وخلافها مع المعارضين، إلا أن إلى بعض الأطراف الرسمية نظرة مختلفة عبرت عنها بصراحة «لقد فمهمتم الدعوة للحوار بشكل مغلوط»، كما فهم «تقرير بسيوني» من قبل بشكل مغلوط أيضاً!
المعارضة سارعت بالترحيب بتلك الدعوة، التي كان الغموض يلف آلياتها وجدولتها.
وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، جاء بالتوصيف الأكثر دقة عندما تحدث في «حوار المنامة» عن قرب عقد لقاءات «كسر الجليد» والتي قد تكون طريقاً للتقدم نحو شيء أكثر عملية لإنهاء الأزمة الداخلية، وبالفعل حدث اللقاء الأول يوم الخميس الماضي في ندوة حوارية نظمها مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية، تحت عنوان «حقوق الإنسان في البحرين… إنجازات وطموحات: نظرة إلى المستقبل»، لم يخرج ذلك اللقاء بشيء سوى ما قيل عن «كسر الجليد».
دعوة «الحوار» التي أطلقت في «حوار المنامة» رحب بها العالم الخارجي، وشـُن عليها هجوم شبه رسمي داخلياً، تمثل بوضوح فيما قاله عضو مجلس شورى يوم الاثنين الماضي بحق الدعوة والداعي إليها، وما أعقبها من ضجيج في مجلس النواب الخائف هو الآخر من أن يستبعد من مقاعد الحوار الجديد الذي لا يعرف عنه شيء سوى بضع كلمات قيلت في «حوار المنامة».
أعقب ذلك الضجيج ردة فعل متوقعة، وحديث عن أنه لن يتم استبعاد أي مكون من مكونات المجتمع في حال وقع حوار مستقبلي.
بالنسبة لي، لستُ ضد أن يكون الجميع موجودا على طاولة أي حوار مجتمعي، وأرفض استبعاد أي طرف مهما كان ثقله وقدرته وقوته أو ضعفه.
ولكن، من حقنا أيضاً أن نسأل، مادمنا في مرحلة لا يمنع فيها السؤال بعد، من هم ممثلو مكونات المجتمع كافة؟ وهو سؤال من حقنا طرحه حتى لا يخرج علينا أحد ليتهمنا بالطائفية والتمييز والسعي للسيطرة.
سؤال أطرحه على كل من يريد أن يكون الحوار بين ممثلي مكونات المجتمع كافة، فهذا التمثيل لا يكون اعتباطا، ولا يقاس بمقياس الولاء، ورضا السلطة، ولا عبر قوانين الجمعيات، والتي تشطب فيها الجهات الرسمية من تريد بجرة قلم، وتغيِّر إدارات من تريد، وتستحدث من تريد في أيام.
نعم، مع تمثيل جميع المجتمع في أي قرار مصيري لهذا البلد، ومع عدم إقصاء أي طرف.
وبالتالي نريد عملية قانونية حقيقية تضمن لنا أولاً أن يمثل الشعب والمجتمع بشكل لا ينقص من شأن أحد، ولا يفضل أحداً على أحد، ولا يعطي ثقلاً لأحد على أحد، إلا من خلال قواعده الشعبية وثقله المجتمعي، وحضوره الحقيقي، لا كدوائر النواب التي فيها صوت يعادل 20 صوتاً من طرف آخر.
نريد آلية حقيقية تتمتع بالشفافية تضمن لنا نحن أبناء هذا الوطن بجميع مكوناته أن نمثل في الحوار، بلا مزاجية ولا انتقائية أو محسوبية.
نريد طريقة علمية توضح لنا كيف سيتم اعتبار من يمثلوننا في أي حوار مستقبلي، هم يمثلون الشعب بمختلف مكوناته، وليسوا مفروضين عليه بأي شكلٍ من الأشكال.
بالنسبة لي لم أخوِّل أحداً للحديث نيابة عني في أي حوار سابق أو حالي أو مستقبلي للخروج مما نحن فيه، بالنسبة لي – وأجزم أن كثيرين يشاطروني الرأي – من حقي اختيار ممثلي للحديث نيابة عني في أي مشروع سياسي مستقبلي.
من يسعى للخلاص، وإخراج البلد مما هو فيه، عليه أن يعود للوراء قليلاً وينظر للمجتمع كافة، وألا يستبعد مكوناً مهما صغر شأنه، وأن يفتح الباب للجميع، وألا يكتفى بما هو مرخص من جمعيات وتنظيمات، فكلنا يعلم أن هذه التنظيمات لا تمثل كل المجتمع ولا تعبر عن رأيه الكلي.
من يريد الخلاص باختصار، فعليه إطلاق سراح السجناء والقيادات السياسية والحقوقية لكونها تمثل مكوناً مهماً من مكونات المجتمع لها الحق أيضاً في المشاركة في أي حوار مستقبلي، ومن دونها لن تنتهي الأزمة، والتجارب السابقة خير مثال.
من يريد تمثيل جميع مكونات المجتمع في الحوار المستقبلي، فعليه أن يوفر الظروف اللازمة لإنجاح هذا المسعى، مع ضمان أن يتاح أمام الناس أن يصوتوا ويختاروا من يحمل همومهم، وليعبروا عن حقيقة مكونات المجتمع، عبر تمثيل حقيقي يكون فيه صوت المواطنين متساوياً، لا فضل فيه لأحد على أحد.
الخلاص لن يكون في حوار كما كان، طاولة ووليمة يكثر عليها المصفقون والمهللون، وإلا لما احتجنا للحديث عن حوار جديد.