سلمان سالم
الأرقام أقوى في مدلولاتها من عشرات المقالات، حتى ولو احتوت تلك المقالات على عبارات متينة في لغتها ورصينة في بيانها ومفرداتها. ونحن نعلم أن وزارة التربية والتعليم هي من أبرز الوزارات الحكومية التي تستطيع أن توفر الكثير من الأرقام التي تدل على واقع التعليم المأساوي في البلاد، وما أصابه من تدهور خصوصاً في السنوات الثلاث الأخيرة، والذي فاق كل تصورات المهتمين بالتعليم.
وسعادة الوزير في ردّه على سؤال النيابي خالد عبدالعال، فتح الأبواب مشرعةً لكل من يريد الوصول إلى حقيقة التعليم في البحرين التي أخفتها الوزارة، بتعمدٍ أو من غير تعمد، عن الرأي العام منذ العام 2011، حيث كانت تصفه -أي حال التعليم- في الوسائل الإعلامية بأنه بخير وفي أحسن حال، على رغم تقارير هيئة ضمان الجودة التي تبين مستوى التراجع الكبير في التعليم.
سنناقش الأرقام التي أوردها الوزير بأسلوب سلس وبسيط، وبموضوعية تربوية وبعمليات رياضية سهلة جداً، ليستخلص منها القارىء الكريم بعض الحقائق:
أولاً: عدد المنتسبين لوزارة التربية والتعليم أكثر من 23000 موظف وموظفة. في البدء وجدنا وزير التربية والتعليم كأنه يريد أن يقول للرأي العام أن سعادته لا يمتلك الرقم الحقيقي لعدد الموظفين في وزارته، ولهذا استخدم عبارة «أكثر من»، ولو حاولنا التعرف على العدد التقريبي للعاملين في الميدان التعليمي سنجد الآتي:
أن عدد التربويين العاملين في المرحلة الابتدائية 7020، وفي المرحلة الإعدادية 3360، وفي المرحلة الثانوية 3000، وسيكون العدد الكلي للتربويين في المراحل الثلاث 13380. وسنجد الفرق بين العددين 23000 و13380 هو 9620 شخصاً.
وإذا قمنا بتوزيع العدد 9620 على 30 إدارة في الوزارة، سيكون نصيب كل إدارة 320 موظفاً تقريباً، هذا إذا كان عدد الموظفين في الوزارة 23000 موظف وليس أكثر كما ورد في رد الوزير.
ثانياً: عدد الموظفين الوافدين منذ العام 2010 يصل إلى 1303 وافدين، وأكد الوزير أن هذه الأعداد تشمل كذلك الذين تطوّعوا للعمل في وزارة التربية والتعليم إبان الأزمة، تم توظيفهم بعد استيفائهم شروط التوظيف.
وأشار إلى أن الأجانب يعملون في تخصصات هي: نظام فصل، اللغة الإنجليزية، اللغة العربية، اللغة الفرنسية، العلوم، تربية أسرية، تربية خاصة، بطيئو التعلم، صعوبات التعلم، تفوق وموهبة، ملابس جاهزة وأنسجة، مجالات عملية أخرى، أعمال صحية، اقتصاد منزلي، التربية الفنية، موسيقى، التصميم، التقانة، الحاسب الآلي، الرياضيات، الزراعة، السيارات، إلكترونيات صناعية، اللحام، الفبركة، النجارة والأثاث، إنشاءات صناعية، مواد صناعية عامة، تشغيل معادن، تكييف وتبريد، حساب مقايسات، رسم صناعي، كهرباء، مواد تجارية، ميكانيكا، هندسة إلكترونية.
والسؤال الذي نطرحه: كيف أصبح الوافد أو الأجنبي متطوعاً؟ هل كان يقطن في البلاد بلا عمل (عاطل)؟ ما رأي القانون في مثل هذه الحالات؟ وما رأيه في توظيف الوزارة له كمتطوّع وترك توظيف العاطلين البحرينيين الجامعيين المؤهلين المستوفين لكل متطلبات المهنة؟
أما بالنسبة للتخصصات التي شغلها الأجانب حسبما ذكره الوزير، نرى من السهل إيجادها من بين العاطلين البحرينيين دون الحاجة إلى ذهاب الوزارة إلى الخارج وبأقل التكاليف المادية، أما إذا لم يكن في استراتيجية الوزارة توظيف الكفاءات الوطنية المعطلة منذ سنوات طويلة، ولم تفكر في وضع خطة تعليمية بعيدة المدى تصون من خلالها مستقبل التعليم في البلاد، فالأمر يختلف تماماً من الناحيتين التربوية والوطنية.
ثالثاً: عدد المتطوعين الذين تم توظيفهم 3110، وتحدث عن سبب توظيفهم قائلاً: تقديراً لجهودهم في تشغيل المدارس إبان الأزمة، وللدور التربوي والوطني الذي اضطلعوا به، وقد وقعوا جميعهم على استمارة تفيد بأنهم لا يطلبون مقابل التطوع لا جزاء ولا شكوراً، بطبيعة الحال لم يتحدّث سعادته في الرد عن تخصصاتهم، هل تتناسب مع حاجة الوزارة التربوية والتعليمية أم كل ما في الأمر هو رد الجميل لهم؟ بالتأكيد إن هذا المبرر ليس له علاقة بشروط التوظيف التي فرضتها الوزارة على كل من يريد الالتحاق بسلك التعليم، ولا يمكن أن يحقق تنمية وتطوير التعليم، ولا شك أن المجاملات الطائفية و«رد الجميل» لا يسهمان في تطوير التعليم. والشيء الواضح من كلام الوزير أن الذين وظفوا من المتطوعين كانوا من العاطلين والعاطلات، وإلا كيف تم توظيفهم إذا كانوا يشغلون وظائف أخرى؟ وهذا أيضاً يكشف عن حجم العاطلين والعاطلات قبل 2011 في أوساط البحرينيين والأجانب، وعلى الرغم من أن نسبة من تم توظيفهم في قطاع التعليم منذ 2010 تعادل 20 في المئة تقريباً، إلا أن الوزارة مازالت تتعاقد مع مدرسين من الخارج.
نقول ليس من حق أحد أن يشكّك في صحة الأرقام التي أوردها الوزير في رده على السؤال النيابي، ولكن من حق المواطن أن يسأله عن الأرقام التالية: عدد التربويين البحرينيين المفصولين عن أعمالهم، وعدد الذين أوقفوا عن أعمالهم واستقطعت من رواتبهم، وعدد المعلمين والاختصاصيين الذين منعت عنهم الترقيات والحوافز والمكافآت، وعدد العاطلين الجامعيين المؤهلين ولم يوظفوا.
رابعاً: عدد طلبة كلية البحرين للمعلمين الذين فُصلوا من الدراسة الجامعية، وعدد الموظفين الذين استهدفوا طائفياً بمعهد البحرين للتدريب، وعدد الطلبة المتفوقين الذين حُرموا من تحقيق رغباتهم الدراسية الأولى، وعدد العاطلين من خريجي التربية البدنية وقت استقدام الوزارة 16 معلماً في التخصص نفسه من خارج البلاد. وإذا كانت جميع الأرقام التي طلبت متوفرة في سجلات الوزارة المعتمدة، لماذا لم يتم الافصاح عنها مادامت الوزارة متيقنةً من قانونيتها؟