ما قام به ديوان الرقابة المالية من عمليات رصد ومتابعة لكشوف الحسابات النهائية للعديد من الوزارات والمؤسسات التابعة للدولة يثير الدهشة من جهة ويثير الإعجاب من جهة أخرى.. كيف؟
يثير الدهشة لأن المؤسسات المكشوف أمرها والوارد اسمها في التقرير يفترض أنها الأحرص على أموال الدولة، وأموال الشعب، والموظف المسئول عندما يتم اختياره يمنح الثقة من الدولة فعليه أن يحترم هذه الثقة، ولا يبدد أموال الدولة لأنها أموال الجميع محاسب عليها ولا يستغل منصبه من أجل (الملينرة نسبة إلى المليونير) بالقوة.
والتقرير بحد ذاته يثير الإعجاب، هذا الموقف معبر بشكل صريح عن توجه الدولة الصحيح بما يصب في المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، وانني في هذا الصدد أشيد برئيس ديوان الرقابة المالية الصديق والأخ العزيز حسن الجلاهمة حيث كنا زميلي دراسة معا (في السبعينيات) بجامعة البصرة، وأحيي فيه هذه الجرأة والمتابعة بالإضافة إلى التقدير الكبير إلى الفريق العامل معه في هذا الخصوص.
التقرير لم يكشف فقط عن التجاوزات وتراكم الرسوم والقروض لشركات واهنة لكونها حتى هذه اللحظة ليس لديها سياسة واضحة المعالم لإدارة المخاطر، بل انتقد أيضا من يتعامل بالفساد والرشا، ومن دفع راتب خيالي (9 آلاف دينار لموظفين بالإعلام) يا ويلي على هذا المبلغ باللهجة البحرينية! و(يا.. يابا) باللهجة العراقية!
التقرير رصد أمورا أخرى منها: لا لزوم لأن تقوم "مؤسسة تمكين" بتوزيع مبالغ بالمجان، أي لمؤسسات تعرف أنها على الحافة تحت مسمى إنقاذها! أو أن يقوم بنك التنمية بتقديم قروض لمؤسسات ليست ضمن خطته الاستراتيجية.. فهذا حمل ثقيل، يجهض هذه المؤسسات ويعوق حركتها إلى الأمام ولربما يفلسها!
وهكذا يمضي تقرير الرقابة المالية في الكشف عن المزيد من التجاوزات مثل: المبلغ المقدم لفنانة (تعالي يا وزيرة.. واعطيني ربع المبلغ لأعين حالي البائس وأصلح ظهري المكسور وأرمم بيتي المهجور.. فأنا ابن بلدك وغلبان.. جزاك الله ملايين الخيرات والبركات) وكما يقول المثل: (الأقربون أولى بالمعروف)!
ولو عرف الناس أنك تبرعت بهكذا مبلغ إلى صحفي غلبان يمكن أن يضعه المحاسبون ضمن ديون معدومة أو تبرعات للعمل الخيري الذي أمر الله به، ولا أعتقد أن الدنيا تهتز، ولا ديوان الرقابة سيتمسك بحذافير هذا كم؟ ومن من؟ وإلى من؟ وما هي المناسبة؟ طالما المبلغ لمواطن بسيط حاله كحيان.
أما موضوع الفنانة فهذا شيء غريب، وشيء عجاب.. فلا أدري هل هو الكرم البحريني الذي يوزع بالمجان؟ صحيح فيه كرم بحريني لأننا من أمة العرب ولكني لا أعتقد بهذه الطريقة، ويبدو لي أن ما قدم للفنانة هو على شاكلة راتب تلك المستشارة التي تم تعيينها بقسم السياحة براتب 7 آلاف دينار بالعلاوات.. وغادرت البلد قبل أقل من سنة تحت ذريعة تضحك وتبكي من قرأ سبب مغادرتها البحرين.
الحديث طويل ومتشعب حول ما رصد من أوجاع وآلام وحمل ثقيل.. لكن تبقى الحقيقة الناصعة، ان التقرير شكل حقيقة ضربة قاصمة لظهور كل من يدعي النزاهة بهذه المؤسسات بغض النظر عن صغر الأرقام أو حجمها، فهي فضيحة وراء أخرى شخصها وعراها ديوان الرقابة قبل 6 سنوات بحجمها الصغير، ولم تجد الاهتمام المطلوب فاستشرت وقفزت عاليا فوصلت إلى الملايين! والحل هو في متابعة هؤلاء المتسببين في هذه الفضائح ومحاسبتهم.. والقضاء هو الحكم الفاصل بيننا وبينهم.
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.