د. علي محمد فخرو
يجمع الكثيرون على أن إنتاج النفط والغاز على المستوى العالمي قد وصل إلى ذروته منذ حوالي ستِّ سنوات. وهذا يعنى أن إنتاج المادتين في دول مجلس التعاون الخليجي هو الآخر قد وصل إلى ذروته. وبالطبع لا يمكن الحديث عن الوصول إلى الذروة دون أن يعقبه الحديث عن التراجع والهبوط،
ومن ثمَّ عن النفاذ. هذا موضوع السَّاعة في كثير من الأوساط الذي تتناوله الكثير من التقارير والندوات.
وحتى لو وجدت مصادر إنتاج جديدة، كاستخراج البترول الحجري المبالغ بشأنه في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها أو كاكتشاف مكامن جديدة من الغاز، فإن ذلك لن يكون أكثر من تعويض جزئي عن التراجع في إنتاج آبار البترول والغاز الكبيرة الهرمة القديمة وعن استجابة جزئية لنهم الآلة الاقتصادية العالمية وعلى الأخص في دول آسيا الكبيرة الصّاعدة من مثل الصين والهند. من هنا فإن العالم يريد أن يعرف عن مقدار التراجع في الإنتاج وطول ما بقى من عمر حقبة البترول والغاز.
●●●
من جهتنا،في دول مجلس التعاون، يجب عدم تنصيب أنفسنا كمسئولين عن حلّ إشكالية توفُر البترول والغاز للنشاطات الحياتية في مجتمعات الهيمنة والنفوذ الإقتصادى في الغرب والشرق، فهذا شأن يخصُّهم، وهم قادرون على التكيُّف مع الظروف ومهيَّئون للانتقال عبر الحقب التاريخية بكثير من الاستعداد والمرونة والبحث عن المخارج من الأزمات.
لكنَّنا يجب أن نكون معنيين بجديَّة وتركيز شديد بمقدار استعداد دول البترول والغاز العربية، وعلى الأخص دول مجلس التعاون الخليجي، للتعامل مع هذا الموضوع المصيري الخطير.في اعتقادي أننا نحتاج أن نولى اهتماما كبيرا للجوانب التالية:
أولا: من الضروري التعامل مع ثروة البترول والغاز من منطلق أن نوع وكفاءة استعمال الثروة لا يقلُّ أهمية عن توليدها وإنمائها. من هنا فإن هوس البعض بالدفع نحو زيادة الإنتاج أو رعب البعض من أى تناقص في الإنتاج، دون أن يصاحبه تفكير عقلاني وموضوعي بشأن استعمال عوائد الثروة الحالية استعمالا يبعده عن التبذير السَّفيه والمغامرات العبثية في العقار والأسهم وغيرها من الاستعمالات الفاسدة أو الخادمة لمصالح مجموعات أنانية من المسئولين والمتنفذين، فإنهما، الهوس والخوف، لن يكونا أكثر من عواطف ساذجة لن تفيد في مواجهة مشاكل مستقبل هذه الثروة العربية الناضبة. إن ما سماه البعض بلعنة ثروات البترول والغاز سيحتاج إلى تغييرات جذرية في فكر وضمائر وإخلاص ومنهجيّة كلُّ متخذي القرارات بشأن استعمالات ريع تلك الثروات لتولّد ثروات إضافية تصبُّفي خانة التنمية المستدامة وليس لحرق تلك الثروات في أتون المظاهر والبطر والترف.
ثانيا:في قلب معركة الاستعمال الصحيح لثروات البترول والغاز الهائلة الانتقال من الاقتصاد الرّيعى إلى اقتصاد إنتاجى ــ معرفي وهو الأمر المفصلى الذي يتطلب تنشأة إنسان ومواطن عربى قادر على المساهمة الفعَّالةفي إدارة وقيادة ذلك الانتقال.
وحتى نكون صريحين مع أنفسنا فإن الاقتصاد الريعى، القائم على توزيع ريع البترول والغاز حسب مقاييس الولاء والزبونية، قد أنتج إنسانا اتكاليا انتهازيا يعتمد على تسلُم الفتات من الفوائض في شكل من العطايا والمكرمات ويتسابق في سوق الولاءات القبلية والمذهبية والعائلية ويستهلك بنهمٍ دون تفكير في المستقبل ولا في ممارسة الادخار.
ولم يكن دور النظام السياسي غير الديمقراطي أفضل، إذ أنشأ إنسانا غير مبالٍ بالمصلحة العامة ولا ملتزم بقضايا المجتمع والأمة ولا مشارك في صنع القرار. وكذا الأمر بالنسبة لنظامي الثقافة والتربية، فقد ساهما في بناء إنسان مفرغ من ملكات التحليل والنقد والاستقلالية والتمرُّد على الواقع المشوَّه.
هذا الإنسان المواطن المصاب بألف علَّة وعلّة يحتاج إلى عملية تغيير جذرية كبرى ليستطيع مواجهة ما ينتظر مجتمعاته إبّان فترة ما بقى من عمر ثروات البترول والغاز في أرضه وبالطبع لما ستأتي به فترة ما بعد ثروة البترول والغاز.
●●●
نكتفي بذكر مدخلين رئيسّيين نعتبرهما مفصليين لمواجهة فترة مابقى من عمر البترول والغاز وفترة ما بعد ذلك. ولاشكّ أن هناك مداخل فرعية كثيرة أخرى. من الضروري أن يعي المسئولون في دول اليسر المؤقّت أن أيّ محاولة للالتفاف حول هذين المدخلين ستنتج كارثة مستقبلية. ولوج المدخلين سيحتاج إلى قرارات مؤلمة وتنازلات صعبة لكنَّ جرس الإنذار الصاخب وهو يعلن وصول إنتاج البترول والغاز إلى ذروته وقرب البدء بتراجعه هذا الجرس لن يترك أحدا يغطُّ في نوم عميق ولن تنفع الحبوب المخدرة أو المنومة.