قاسم حسين
من المتناقضات التي تنضح بها بعض الجهات الإعلامية المتعصبة، تبنيها لسياسة تشويه صورة المواطن البحريني، لمنافع شخصية بحتة أو لحسابات فئوية قميئة.
لن تجد في أية صحافةٍ خليجيةٍ أو عربيةٍ، مثل هذا النهج الإعلامي الغريب. فلن تجد كاتباً عربياً محترماً يكتب عشرات المقالات سنوياً، يتهم فيها نصف شعبه بالسير وفق أجندات خارجية. ولن تجد رئيس تحرير محترماً يتهم الأحزاب الوطنية والقوى السياسية الرئيسية في البلاد بالعمالة للخارج. أما إذا حدث ذلك في بلدٍ فاعلم أن هناك خللاً كبيراً في المنظومة الفكرية والعقلية والإعلامية.
في الحالة البحرينية، دأبنا على الافتخار بما حققناه من إنجازات وأرقام في المجال الصحي منذ سنوات طويلة. وراكمنا خبرةً بشريةً شهد لها الكثيرون، وكان ذلك خير استثمارٍ في رأسمالنا البشري. وقبل سنواتٍ طُرحت كثيراً فكرة السياحة العلاجية، باعتبارها باباً جديداً لتنويع مصادر الدخل، ولم يكن ذلك ممكناً لولا ما اكتسبته الكوادر الطبية البحرينية من ثقةٍ في محيطنا الخليجي.
بعد فبراير/ شباط 2011، تعرّض جزءٌ حيوي من هذا الكادر إلى حملة تشويه ممنهجة، من باب الانتقام السياسي، وفرضت هذه القضية نفسها على الإعلام في عواصم الدول الكبرى، وعلى المنظمات الحقوقية والطبية العالمية، وحظيت بتعاطفٍ إنساني واسع. أما في الداخل، فكتبت مئات المقالات ضمن حملة تحريض وتشويه غير أخلاقية، انتهت ببعضهم إلى السجن، فيما لايزال آخرون ينتظرون.
قطاعات أخرى أصابها الشرر، رياضيون ولاعبو منتخبات وطنية لوحقوا وسجنوا. فنانون وإعلاميون معروفون بعطائهم على مستوى الخليج فُصلوا. أكاديميون وأساتذة جامعات فُصلوا ولوحقوا، وأعيد بعضهم لأعمالهم بصعوبة، وكانت تهمة بعضهم إعادة إرسال «إيميل». كل ذلك ضمن حملة مكارثية طالت ستة آلاف مواطن، على يد لجان تحقيق ستبقى ذكرياتها الكالحة عالقةًً بالذاكرة الجمعية لعشرات الآلاف من الضحايا والأسر لأمد طويل.
الأسوأ من ذلك كله، هذه الحملة الممنهجة لتشويه سمعة الإنسان البحريني، وتحويله إلى شيطان رجيم. هذا الإنسان الذي اشتهر بطيبته وسماحته وانفتاحه على مستوى الإقليم، هناك جهاتٌ مدفوعة الأجر تسعى اليوم بكل ما أوتيت من قوة، لترويج صورةٍ نمطيةٍ للبحريني العنيف. ما هي مصلحتكم من بثّ هذه النظرية العنصرية؟
قبل أيام، نُشرت نتائج استطلاع موّله أحد البنوك الأجنبية، عن العمالة الوافدة والجاليات في دول العالم، واحتلت البحرين المرتبة الأولى كـ «أفضل دولة حميمية مفضّلة للأجانب»، خصوصاً من مرتبة المدراء والتنفيذيين. النتائج لم تفاجئنا، فهي تتطابق تماماً مع الواقع الاجتماعي الذي نعرفه في بلادنا، لكن المفاجأة أنه أثار حنق بعض الجهات التي تعتبر البحريني مخلوقاً سيئاً.
الاستطلاع شمل أكثر من 3 آلاف وافد أجنبي، وأجري بين شهري فبراير وأبريل/ نيسان الماضيين، وهي فترةٌ كتبت فيها مئات المقالات التي أمعنت في ذم أبرز الكوادر البحرينية الناشطة، أطباء أو معلمين أو نقابيين ومحامين وحقوقيين وفنانين أو رجال دين. وأحد محاور الاستطلاع تعلقت بمدى استقرار الأجانب وأسرهم في بلد جديد، وتقدّمت البحرين هذا العام على كندا التي احتلت المرتبة الأولى في استطلاع مماثل العام الماضي.
لم نكن بحاجةٍ إلى شهادة «حسن سيرة وسلوك» إضافية للشعب البحريني، فهذا هو معدنه ومنبته، ولكن لماذا يتشبث البعض بتلابيب العصبية الجاهلية، ويرفض أن يُقال أبوه عَفٌّ…؟